موقوفو أحداث طرابلس: العسكر ينتقم من الشباب

جنى الدهيبي

الخميس 2021/02/11

لم تنته تداعيات المواجهات التي شهدتها طرابلس بين متظاهرين والقوى الأمنية على مدار 5 ليالٍ متواصلة، وكان أعنفها ليلة الجمعة 29 كانون الثاني، والتي انتهت بإحراق مبنى بلدية طرابلس. فبعد أن أفرغت ساحة النور ومحيط سرايا المدينة من جموع المتحجين الذين حمل بعضهم الحجارة، انتقلت التحركات إلى محيط المحكمة العسكرية في بيروت، حيث يواظب أهالي الموقوفين ورفاقهم على الاعتصام هناك منذ أيام، للمطالبة بالإفراج عنهم أو السماح برؤيتهم وتوكيل محامين لهم. 

فريسة الاعتقالات
تلك الليالي العنيفة التي عاشتها طرابلس، ما زالت تترك علامات استفهام كبيرة، منذ أن اندلعت إلى أن خفتت فجأة، لتشرّع الأبواب على روايات متناقضة، عن مندسيّن ومخربين و"لاعبين جدد" أتقنوا فنّ أركان المنظومة، التي لطالما استثمرت بفقر الناس ومعاناتهم، قبل أن تتركهم فريسة للتوقيفات والملاحقات الأمنية.  

على الأرض، انتهت مواجهات طرابلس، التي أودت بحياة الشاب عمر طيبا متأثرًا بإصابته برصاصة حيّة، وسقط فيها أكثر من 400 جريح بين مدنيين وعسكريين، إلى جانب أضرار مادية جسيمة طالت حرق مبنى البلدية والمحكمة الشرعية وأجزاء من حرم سرايا طرابلس. ومنذ ذلك الحين، ما زالت الملاحقات والتوقيفات مستمرة، وقد طالت نحو 40 فردًا، أفرج عن بعضهم، بينما بالمحصلة الأخيرة جرى الإدعاء على 24 موقوفًا، 6 منهم من البقاع (شاركوا بتحركات طربلس)، و18 موقوفًا من طرابلس والشمال، وفق ما أفاد عضو لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين في لبنان، أيمن رعد.  

أين المادة 47؟  
وفيما شهد يوم الأربعاء، بمحيط المحكمة العسكرية، اعتصامًا جديدًا استمر حتى الليل لأهالي الموقوفين وعشرات الناشطين الذين توعدوا بالتصعيد، اعتبر رعد في حديث لـ"المدن"، أن الموقوفين ما زالوا محرومين من الحقوق التي منحتهم إياها المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية، منذ تعديلها في تشرين الأول 2020، والتي تضمن للموقوف الاتصال بعائلته وحق طلبه توكيل محامٍ لحضور التحقيقات، وأن تكون مصورةً بالصوت والصورة.  

وحاليًا، يتفرق احتجاز الموقوفين بين الشرطة العسكرية ومخابرات الجيش وشعبة المعلومات، في ظل التعتيم على هوياتهم، ما دفع مجموعة من المحامين في طرابلس، وهم محمد صبلوح ونايف العليوة وشوكت حولا، أن يقدموا في 4 شباط 2021 إخبارًا لدى النيابة العامّة التمييزية في بيروت، ونسخة منه لوزيرة العدل ماري كلود نجم، يتمحور حول "إخفاء قسري وحجز حرية من دون أي مسوغ قانوني ورفض تطبيق المادة 47، وقرائن ارتكاب جرائم تعذيب بحق المتظاهرين".  

شباب البقاع
وتوسعت الاعتقالات من طرابلس إلى البقاع، حيث جرى توقيف شابين من هناك شاركوا بتظاهرات طرابلس، ثم سلّم 4 آخرون أنفسهم (من البقاع) بعد أن استدعتهم مخابرات الجيش في وزارة الدفاع، ثم أحالتهم إلى الشرطة العسكرية في الريحانية للتحقيق معهم، بحضور المحامي رعد، ومعه زميله واصف حركة.  

وبعد أن حضر رعد يوم الأربعاء جلسات الاستجواب في المحكمة العسكرية، دفاعًا عن أحد المدعى عليهم من موقوفي البقاع، لفت أنه بالبدء قام جهازان بالتحقيق بأحداث طرابلس، هما مخابرات الجيش وشعبة المعلومات، ثم تشعب عنه ملف الشرطة العسكرية "بعد أن أصرينا كمحامين أن نحضر لدى المخابرات عن 4 موقوفين من البقاع، بينما حققوا مع الآخرين من دون حضور محامين، بحجة أن لدى سؤال الموقوف عن رغبته بتوكيل محامٍ كان يجيب بالنفي".
ويستغرب رعد التعتيم الحاصل على هوية الموقوفين. إذ لم يزود قاضي التحقيق لائحة رسمية بأسماء الموقوفين من بين 24 ادّعى عليهم.  

ويكشف رعد عن ثغرات كبيرة تشوب هذه التحقيقات، وفي طليعتها "الهروب المتعمد من الإلتزام بالمادة 47، بحجة أن مراكز التحقيقات غير مجهزة للتصوير والتسجيل، كما يتذرعون بعدم رغبة الموقوفين بتوكيل محامين".  

ولدى طلب رعد من قاضي التحقيق أن يسأل موقوفًا أمامه إن كان قد تبلغ بحقه بتوكيل محامٍ، فأجاب "لا" خلافًا لما قيل له، كما لم يُسمح له بالتواصل مع أهله حتى الثلاثاء، بعد توقيفه صباح الأحد.  

وتتراوح الاتهامات بين مقاومة سلبية لقوى الأمن حين طلبت من المحتجين فض التظاهرة، ومعاملة قوى الأمن "بشدة" بين اعتداء ورشق للحجار، وتصل للاتهام بالمشاركة في اضرام النيران ببلدية طرابلس والمحكمة الشرعية والسرايا.  

واللافت وفق رعد، هو طلب الادعاء على من يظهره التحقيق متهمًا بجرم "محاولة قتل"، وهي تطال من ألقى القنابل اليدوية على عناصر القوى الأمنية، وهي ما زالت ضدّ مجهول.  

ومن المنتظر أن تستكمل الاستجوابات لاتخاذ قرار إما بالإفراج أو إحالة الموقوفين للمحاكمة. وقال رعد: "الثغرة الأكبر هي غياب التنسيق كليا بين الأجهزة الأمنية. وهو ما يؤدي إلى المماطلة بالتحقيقات وتجاوز القانون باحتجاز الموقوفين لأكثر من 48 ساعة".  

غضب في طرابلس  
شمالًا، ما زالت الشكوك تحوم حول آلية التوقيفات، لا سيما بعد الإفراج "السريع" عن أبرز المشتبه بهم بالتواطؤ في حرق البلدية وإثارة الفوضى الأمنية، بينما المخاوف تتصاعد من الاستمرار بالتغاضي عن المحرضين الفعليين، الذين يتلطون خلف شباب معدمين لا يتجاوز عمر أكبرهم 25 عامًا.  

وفي السياق، يلفت رئيس لجنة المعونة القضائية في نقابة المحامين في طرابلس، المحامي فهمي كرامي، أن من بينهم هؤلاء الموقوفين، شباب قاصرون، يبلغ أحدهم 16 عاماً، و"المفارقة أن التوقيفات لم تتجاوز المادة 47 وحسب، وإنما لم تسمح للمحامين بالحصول على أسماء الموقوفين بشكل رسمي، ما دفعهم للتعاون مع شباب لاستقصاء هويات من تفتقدهم عائلاتهم".  

مساءلة الأجهزة الأمنية
وعلى خلفية أحداث طرابلس، تداعت يوم أمس نقابة المحامين في طرابلس لعقد ندوة تناقش التوقيع على عريضة مع المنظمات والجمعيات الحقوقية، لتقديمها أمام لجنة حقوق الإنسان في مجلس النوّاب، وتهدف لإثارة تقصير وزارات الدفاع والداخلية والعدل بمساءلة الأجهزة الأمنية لإخلالها في تطبيق المادة 47، وفق كرامي.  

ويشير كرامي لـ "المدن" أن النقابة أوكلت 12 محامٍ للدفاع عن 12 موقوفًا في المحكمة العسكرية. وقال: "هؤلاء الموقوفون، سواء كانوا مرتكبين أو غير مرتكبين، لهم حقوق أعطاهم إياها القانون، ولا يجوز خرقها بهذه الطريقة، وأن يبقى الموقوفون بالاحتجاز طوال هذه الفترة، من دون أن يتمكنوا من التواصل مع عائلاتهم، ولا معرفة أماكنهم".  

ويأمل كرامي أن تسعى التحقيقات للكشف عن المحرضين الفعليين قبل المرتكبين، "لأن جميع هؤلاء ضحايا، ومن واجبنا أن نبقى لجانبهم، كي نؤمن لهم دفاعًا عادلا، ومن غير مقبول أن يبقى القاصر محتجزًا بظروف قاهرة". 
قانونيًا، وطالما لم يُسمح للمحامين بحضور التحقيقات، وفق كرامي، فـ"ستبقى مشبوهةً شكلًا ومضمونًا مهما كانت نتائجها". 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024