هشام حداد يتمدد: "عنا شو" النسخة المشوهة

وليد بركسية

الإثنين 2019/05/06
قبل سنوات دخل إعلام النظام السوري عصر البرامج الحوارية الساخرة والستاند أب كوميدي، فقدم المذيع أمجد طعمة برنامج "غداً قد نلتقي"، الذي وضع معياراً للرداءة وثقل الظل والاستخفاف بعقل الجمهور، ما خلق انطباعاً بعدم إمكانية التفوق عليه ضمن تلك المعايير. 


لكن برنامج "عنا شو" الذي طرحته قناة "سما" شبه الرسمية، مؤخراً، يقدم أسوأ النماذج السورية على الإطلاق، حيث يقدم "اللاشيء" على أنه جرعة من الكوميديا.

وعلى عكس البرامج الساخرة التي قدمتها تلفزيونات النظام في السابق، والتي تضمن انتقادات للحكومة السورية بدرجات متفاوتة، ضمن سياسة تنفيس الغضب الشعبي من الأزمات المتلاحقة في مناطق سيطرة النظام خلال فترة الحرب السورية، فإن البرنامج الجديد يبدو ظلاً لتلك المساحة التي سمح بها النظام اضطرارياً، ما يشير لتضييق شديد على الحريات يفرضه النظام على الموالين له، ويتناقض بدوره مع فكرة البرامج الساخرة نفسها، ما يؤدي للخواء الذي يظهر به البرنامج في النهاية.


واستعانت القناة بلاعب كرة السلة السابق عمر حسينو لتقديم البرنامج، وهو خيار غريب نوعاً ما لعدم امتلاك حسينو للكاريزما اللازمة لتقديم مثل هذا النوع من المحتوى الإعلامي، وعدم امتلاكه شهرة واسعة مقارنة بنجوم كرة السلة المحليين، وبالتحديد في فريق "الوحدة" الدمشقي الذي كان جزءاً منه وفاز معه ببطولة آسيا العام 2003، وقد يكون السبب محاولة في تقليد تجربة لاعب كرة السلة اللبناني طوني بارود الذي انتقل من التعليق الرياضي لتقديم البرامج.

والحال أن البرنامج لا يميل الى استنساخ أي من برامج بارود، بل يبدو نسخة مشوهة من برنامج "لهون وبس" الذي يقدمه الإعلامي هشام حداد، والذي يعتبر من نوعية برامج "Late night show" المشهورة في الولايات المتحدة، والتي يقدمها نجوم مثل جايمس غوردن وجايمي فالون وستيفن كولبرت.

وفيما كانت البرامج الكوميدية الساخرة الموالية للنظام، التي قدمت في السابق، تشوه مفهوم النقد الساخر بسبب الأسلوب الخشبي البعيد من الإعلام العصري، وتناقض السخرية كأعلى درجات النقد للسلطة مع مفهوم الدولة الشمولية والدكتاتورية التي يمثلها النظام السوري، وتوجيه النقد للحكومة على حساب النظام ككل، فإن البرنامج الجديد يخلو من تلك "الرفاهية" أيضاً، ويبدو كأنه محاولة للتظاهر بأن هنالك مناخاً للحرية الإعلامية في البلاد، عبر تقديم النمط النقدي الساخر بالشكل فقط، عبر السخرية من الناس في محنتهم فقط، وربما يكون عنوان البرنامج نفسه دليلاً دامغاً على ذلك: "عنا شو".

ويمكن تلمس الفارق في معنى السخرية وهامش الحرية، بمقارنة "عنا شو" مع البرامج الساخرة التي تقدمها محطات تلفزيونية معارضة، مثل برنامج "نور خانم" للإعلامية السورية نور حداد على قناة "سوريا"، سواء من ناحية السرعة في التعاطي مع القضايا أو عدم وجود خطوط حمراء للنقد فيما يخص "رموز السيادة الوطنية". كما يمكن تلمس الفارق نفسه بالنظر لمواقع التواصل الاجتماعي التي يشتكي فيها السوريون في مناطق النظام، بجرأة أكبر بكثير من تلك التي يقدمها البرنامج "الخجول".

يأتي ذلك في وقت شهدت فيه البلاد اعتقالات لصحافيين وناشطين موالين من بينهم وسام الطير مدير شبكة "دمشق الآن" الموالية، وترهيباً لناشطين آخرين عبر قانون "مكافحة الجريمة المعلوماتية"، بينما يلقي رئيس النظام بشار الأسد وحكومته بمسؤولية الأزمات التي تعيشها سوريا حالياً على "الحرب الإعلامية" التي يديرها "طابور خامس" عبر مواقع التواصل الاجتماعي و"الإعلام المغرض".


الخواء الذي يقدمه البرنامج يظهر بشكل بصري واضح، فالاستوديو فارغ إلا من حسينو وضيوفه وفرقة موسيقية صغيرة، بينما يختفي الجمهور المرافق لهذه النوعية من البرامج تماماً، بينما يتم إقحام أصوات التصفيق على الأغلب على المشاهد بعد الانتهاء من التصوير. ومع الديكورات القديمة والإضاءة الباهتة والبرودة التي تأتي من المساحة الواسعة يبدو البرنامج محزناً وكأنه نسخة تلفزيونية عن الحياة في سوريا الأسد، حيث تغيب الحيوية والضحكات ويبدو كل شيء مؤطراً بحدود مسبقة بقسوة وبؤس، وإلا كان العقاب.

ظهر ذلك بوضوح في الحلقة الأولى التي استضاف فيها حسينو الممثل باسم ياخور الذي بات فنان السلطة الأول في سوريا، وكان الحديث لأكثر من ساعة مملاً وتحاشى ياخور الإجابة عن بعض الأسئلة حول المشاكل التي رافقت سلسلة "ببساطة" التي قدمها مؤخراً، لكنه أشار إلى "وجع الراس" بعد الانتقادات الرسمية له رغم الموقف الموالي له ولأعماله الدرامية، وطالب بمزيد من المساحة "للتنفيس"، بينما تعطي الحلقة الثانية مع الممثلة صفاء سلطان انطباعاً بعدم وجود حوار من الأساس لعدم وجود أسئلة مثيرة للاهتمام على الإطلاق على كافة المستويات، السياسية والفنية وحتى الشخصية.

وواجه حسينو الانتقادات التي تعرض لها البرنامج، بالقول في الحلقة الثانية أنه يحاول "الحديث عن السوريين وهمّ السوريين بطريقة سورية"، لكن ذلك لا يظهر على الشاشة مطلقاً، بل يحاول حسينو في حواراته مع ضيوفه تبرير ضعفه كإعلامي ساخر بأن يظهر عجزه عن التعبير عما يريده بحرية عن بعض المواضيع بالتميح للرقابة والمحظورات والرغبة في الابتعاد عن المشاكل، وبهذا يبرهن حسينو من دون أن يدري عن نقطتين يحاول البرنامج نفسه دحضهما. الأولى عدم وجود حرية تعبير حقيقية في البلاد، والثانية ضعفه الشخصي في إطار البرامج الساخرة، ومن هنا يفقد البرنامج أي معنى محتمل من إنتاجه وعرضه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024