الأربعاء 2015/03/25

آخر تحديث: 17:14 (بيروت)

كوميديا النظام.. كيف لها أن تُضحِك؟

الأربعاء 2015/03/25
كوميديا النظام.. كيف لها أن تُضحِك؟
increase حجم الخط decrease
"تجري جميع الأحداث في خيالنا، وفي جو افتراضي بالكامل، لذلك كل تشابه مع الواقع الذي نعيشه هو افتراضك أنت أخي المشاهد، لذلك أرجوك لا تغلّطنا"!

بهذه العبارة، يفتتح المذيع السوري أمجد طعمة - وبكل وقاحة - حلقات برنامجه "غداً قد نلتقي" على قناة "تلاقي" الرسمية. وبها يحمل المشاهد المسكين ذنب متابعته للبرنامج ومسؤولية تفكيره خارج الخطوط الحمراء التي لا يتجرأ البرنامج على الاقتراب منها. أداء طعمة في برنامجه يتخطى مفهوم الرداءة وثقل الظل بمراحل كثيرة. فمن جهة يحرص طعمة على تقليد حركات زميله اللبناني عادل كرم في برنامجه "هيدا حكي". ومن جهة أخرى يحرص على تقديم حركاته وعباراته السورية الخالصة. وبين الاتجاه نحو العبارات البلدية الشعبية وحرصه على الظهور بمظهر المثقف الناقد، تتأرجح كلماته دون سياق محدد. وبحركات يديه وجسده، المفتعلة، يطلق نكاتاً مملة يضحك عليها وحده في الاستوديو دون مبرر واضح!


البرنامج هو المحاولة السورية الرسمية لتقديم "ستاند آب كوميدي" على غرار الموضة الدارجة في المحطات العربية منذ العام 2011. لكن البرنامج يأتي سمجاً ثقيل الظل، وبعيداً من مقومات النجاح. ففي خلال ساعة من الزمن يتحفنا البرنامج بأسلوب خشبي بعيد عن الإعلام العصري، وهو المتوقع من إعلام النظام الذي لم يشهد تطوراً يذكر منذ فترة طويلة.

يلقي البرنامج اللوم في كثير من قضايا الشأن العام على الشعب السوري نفسه بدلاً من لوم مرافق الدولة السورية المهترئة والضعيفة، رغم كل ما يعانيه المدنيون في الداخل من ضغوط اقتصادية وسياسية واجتماعية. وهو نهج عام لدى كافة وسائل الإعلام الرسمي وشبه الرسمي عموماً بشكل يعكس الخطاب السياسي الفوقي الذي مازال النظام ينتهجه بحق مواطنيه.

يفترض بالبرامج النقدية الساخرة أن تكون قوية وجريئة في طروحاتها دون خشية من تخطي الخطوط الحمراء. ويجب عليها أن تنقد بفجاجة وقسوة دون مواربة كل النقاط التي لا يتجرأ أحد في البرامج الأخرى على طرحها. فالسخرية هي إحدى أعلى درجات النقد وأكثرها تأثيراً، لكنها تتحول في البرنامج إلى نسخة مشوهة، لا تقدم شيئاً ولا حتى التسلية.

حلقة البرنامج الأخيرة التي بثت الأسبوع الماضي حول الاتصالات في سوريا، تلخص كل ما سبق. ورغم أهمية الموضوع وكونها من أكثر السلبيات التي يعاني منها الشعب السوري لعقود من ناحية هيمنة وزارة الاتصالات على هذا القطاع، إضافة الى طبيعة الاحتكارات في شبكات الخلوي ورداءة الاتصالات وخدمات الإنترنت والأسعار الباهظة، إلا أن البرنامج لا يطرح سوى المعروف ويبتعد عن الجدليات المهمة كالرقابة والتجسس أو حتى تسمية المسميات بأسمائها مكتفياً باللف والدوران حول أفكار مكرورة لا تشكل قيمة بحد ذاتها.

يضجّ البرنامج بالصراخ والزعيق، خصوصاً عندما يجتمع ستة ممثلين في استوديو ضيق ويتحدث كل منهم بأعلى صوته في وقت واحد، ليتحول البرنامج في كل حلقة إلى تهريج سخيف وضوضاء لا يفهم منها شيء. ويحاول طعمة في هذه المواقف المفتعلة لعب دور البطولة وضبط الموقف بإسكات طاقم الممثلين المرافق له وطرح وجهة نظره بديكتاتورية توازي الديكتاتورية التي يعاني منها الشعب السوري.

المقاربة هنا ليست مقصودة من طاقم البرنامج، بل هي مجرد تأكيد للعقلية السورية الرسمية التي تستوجب وجود قائد حتى ولو كانت الحالة مجرد برنامج ساخر لا يتابعه أحد على الأغلب.

يقدم البرنامج الكثير من المشاهد الدرامية بين فقراته، لكنها مفتعلة وسخيفة وخالية من المعنى وبعيدة عن الإضحاك. ويزداد الوضع سوءاً عندما يتحول التهريج فيها نحو تقديم أغانٍ حول موضوعات الحلقة بصوت طعمة نفسه. أما المؤثرات الصوتية التي يستخدمها البرنامج، فهي رديئة وسيئة ومقحمة في المشهد التلفزيوني وكأنها تأتي مركبة فوق الصورة وليس معها في سياق واحد منسجم.

يتوجه طعمة دائماً للحديث مع ديكورات الاستوديو البشعة التي تجسد أشكالاً بشرية في حوار أحادي غير مفهوم غالباً. ويبدو ذلك تعويضاً للفقر التقني في البرنامج عموماً والمنسحب نحو عدم تقديم مقاطع الفيديو من الإنترنت ومن المحطات التلفزيوني والتعليق عليها كما جرت العادة في البرامج العربية.

يقول طعمة في حلقته الأخيرة: "المشاهد لا يهتم سوى بالأمور التي لا يستطيع التعبير عنها". لكن ذلك لا يظهر على الشاشة مطلقاً، بل يحاول طعمة في حواراته مع الديكورات البشعة تقديم مبررات لضعفه كإعلامي ساخر بأن يظهر عجزه عن التعبير عما يريده بحرية. وبهذا يبرهن طعمة دون أن يدري عن نقطتين يحاول البرنامج نفسه دحضهما. فمن جهة لا وجود لحرية تعبير حقيقية في البلاد، والثانية ضعفه الشخصي في إطار البرامج الساخرة، ومن هنا يفقد البرنامج أي معنى محتمل من إنتاجه وعرضه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها