"لا تروج لمنظمات مشبوهة ضد بلدك"..أسديّون يهاجمون "روسيا اليوم"

وليد بركسية

الأربعاء 2019/04/03
"لا تروج لمنظمات مشبوهة ضد بلدك" هو الشعار الذي رفعته صفحات سورية موالية للنظام السوري، ضد الإحصائيات التي تظهر معدلات الفساد والبطالة والخطورة حول العالم، والتي تنشرها منظمات دولية مرموقة، بشكل دوري، مثل منظمة العمل الدولي ومنظمة الشفافية الدولية، وتظهر "سوريا الأسد" في مراكز متأخرة كواحدة من أسوأ دول العالم على الإطلاق.


ورغم أن النظام السوري يجاهر بعدائه للمنظمات الدولية، منذ وقت طويل، ويصفها بأنها شريكة في المؤامرة الكونية ضده سبب "سيادته" و"مواقفه المنحازة للشعوب"، إلا أن الحملة الجديدة تحمل أبعاداً مختلفة قليلاً، وربما تكون موجهة ضد قناة "روسيا اليوم" بالتحديد، التي تنشر تلك الإحصائيات، بشكل صور وغرافيكس، وباتت ناقلاً أساسياً لها بين السوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

هذه الفرضية لا تأتي من فراغ، فالحملة الأساسية اعتمدت على ثلاث إحصائيات، يظهر في إحداها بوضوح شعار "روسيا اليوم"، كما تحدثت بعض الصفحات المشاركة في الحملة، بصراحة عن ذلك. وأشار الإعلامي العراقي في قناة "الإخبارية السورية" الرسمية، حسين الفياض، إلى القناة الحليفة بشكل صريح، عبر حسابه الشخصي في "فايسبوك"، ضمن أحد الردود على التعليقات.



والحال أن الفياض بالتحديد، مسؤول، على الأغلب، عن صفحات أطلقت الحملة، من بينها صفحة "سوريا توداي" والإعلام السوري يمثلني". وهما الصفحتان اللتان نشط من خلالهما الفياض، المقرب من إيران، خلال حظر "فايسبوك" لحساباته الشخصية قبل أشهر. إذ ظهر في بث مباشر، ليهاجم الإعلام المعادي، علماً أن الصفحتين تعملان بشكل أساسي على فكرة "كشف زيف الإعلام المعادي للدولة السورية"، إضافة إلى "تكذيب الشائعات"، وهي زاوية يومية تقدمها "سيريا توداي" تحت شعار "حكّم عقلك"، تنفي فيها كل المعلومات التي يمكن أن "تسيء" لصورة النظام السوري، مهما كانت تلك المعلومات حقيقية ودقيقة.

وبحسب التعليقات، وُصفت الصفحات السورية التي تنقل مثل تلك الإحصائيات، بأنها رمادية وذات موقف غير وطني، وهي الأوصاف نفسها التي أطلقها الفياض شخصياً، قبل أسبوعين، على قناة "روسيا اليوم"، متهماً القناة بأنها "لم تكن يوماً مع سوريا"، بل أن "الحياد النسبي الذي كانت فيها سببه تأثير بعض الزملاء السوريين فيها، بل كانت في أغلب الأوقات مع الخط المعادي" بحسب تعبيره.

وهدد الفياض القناة الروسية حينها بإغلاق مكاتبها في دمشق، علماً أن التوتر حصل بسبب عدم قيام القناة بحذف تعليقات رآها الفياض مسيئة لرئيس النظام بشار، جاءت على خبر وفاة طفلة سورية في مصر. وقال: "قناة روسيا اليوم ليس مطلوباً منها أن تتحدث باسم الأسد والجيش العربي السوري والشعب السوري، لكن فلتتذكر جيداً، أنه لا مكان اليوم في دمشق للعربية والجزيرة وأخواتهما في صنع الفتن".

وبات الخلاف بين روسيا وإيران في سوريا، أكثر وضوحاً في الأشهر القليلة الماضية، وتحديداً في الشق الإعلامي، حسبما تشير تقارير غربية. فالبَلدان اللذان اتسمت علاقتهما بالعداء تاريخياً، باتا صديقين في سوريا واضطرا للتعامل أكثر في سوريا لحماية حليفهما المشترك، بشار الأسد، وما جمعهما هو العداء للولايات المتحدة بالدرجة الأولى ومحاولة البحث عن نفوذ أوسع في الشرق الأوسط. وفي ظل هذه الصداقة الناشئة، تحركت القوات البرية الإيرانية وميليشياتها تحت غطاء القوة الجوية الروسية، بحرية نسبية فيما ساعدت موسكو الأسد على البقاء في السلطة من دون أن تجر نفسها لحرب برية منهكة.



وبعد سنوات من الحرب في البلاد، نجح الحليفان في قمع الثورة السورية عبر سياسة الأرض المحروقة، وبات الأسد الذي ضمن البقاء في السلطة، وكيلاً محلياً لطهران وموسكو في الوقت نفسه. ورغم حديث النظام دبلوماسياً وإعلامياً عن قدرته على قيادة البلاد بنفسه، من دون دعم الحلفاء، إلا أن الواقع مختلف. إذ لا ترغب إيران أو روسيا في مغادرة بلد قاتلتا من أجله وساعدتا في انتصاره، ويظل التعايش بينهما صعباً، لأن هنالك ما يفرق بينهما أكثر من مشاركة عداء الولايات المتحدة.

وتهدف روسيا لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط كجزء من رغبة الرئيس فلاديمير بوتين في أن يظهر للعالم أن موسكو باتت قوة عالمية قادرة على بناء نظام من داخل الفوضى التي خلفتها المغامرات الأميركية، مظهراً ما قدمته السياسات الأميركية للعراق وما تقدمه روسيا لسوريا، ضمن خطاب الدعاية الروسية. لكن ذلك الاستقرار المنشود لا يخدم إيران، فالميليشيات التي تدعمها في سوريا ولبنان واليمن هي نتاج الحروب الأهلية، وهي لا تريد دولاً قوية بجيوش موحدة، ولهذا السبب باتت التجاذبات أكثر وضوحاً، في السياسة كزيارة الأسد لطهران التي أثارت غضباً روسياً، وفي الإعلام بدليل الحملات المتبادلة بين الإعلاميين السوريين الموالين لروسيا والموالين لإيران.

ويمكن تلمس ذلك كله في الحملة الأخيرة، فحديث "روسيا اليوم" عن الفساد والبطالة والأمان يرتبط بالوصول إلى حلول لتلك المشاكل من أجل تحقيق "الاستقرار". لكنه، وفق المنظور المضاد، يعتبر تشويهاً لصورة البلاد، لأن البلاد مستقرة أصلاً بعد القضاء على "الإرهاب". وتصبح الحملات الإعلامية عبر مواقع التواصل، مرتبطة بالدفاع عن هذه الآراء، التي لا تريد خيراً لسوريا بطبيعة الحال، لأن الاستقرار في البلاد مرتبط حكماً بوجود حل سياسي ينهي المظالم المستمرة في البلاد، والتي يعتبر النظام السوري مسؤولاً عنها بالدرجة الأولى.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024