الأربعاء 2018/11/14

آخر تحديث: 17:17 (بيروت)

إعلام النظام السوري مهاجماً المنظمات الدولية.. تهريج بلا حدود!

الأربعاء 2018/11/14
إعلام النظام السوري مهاجماً المنظمات الدولية.. تهريج بلا حدود!
increase حجم الخط decrease
لا جديد في عداء النظام السوري لقيم الحرية والديموقراطية حول العالم، فالنظام منذ عقود يتخيل نفسه قوة كبرى في في وجه "العولمة المتصهينة" ويروج لنفسه كإحدى القوى التحررية الخيرة، لكن ذلك الموقف الأيديولوجي الكارتوني لم يكن المحرك الوحيد لتخصيص الإعلام الرسمي مساحة واسعة مؤخراً للهجوم على منظمات مستقلة ذات سمعة دولية طيبة مثل "مراسلون بلا حدود" أو "أطباء بلا حدود"، بقدر ما يعتبر ذلك ضرورة له مع ترويجه لفكرة انتصاره في الحرب السورية.


وخصصت قناة "الإخبارية السورية" الرسمية حلقة من برنامج "فن الممكن"، الأحد، للحديث عن المنظمات العالمية المستقلة التي كانت "شريكة في الحرب الكونية على سوريا"، وكان الغرض الأساسي منها هو نزع الشرعية عن الجوائز التي منحتها جهات مستقلة لصحافيين وناشطين وحقوقيين معارضين، بسبب نشاطهم لصالح حقوق الإنسان في سوريا، لأن وجودهم كشخصيات رمزية، يشكل إدانة تاريخية للنظام، محلياً ودولياً، بعكس البروباغندا التي تصور النظام السوري ضحية لمؤامرة كونية تستهدفه بسبب "سيادته" و"مواقفه المنحازة للشعوب".



وهنا، هاجمت القناة الناشط البارز هادي العبد الله الحائز على جائزة "مراسلون بلا حدود" السنوية العام 2016 بسبب ما قالت إنه خطه الإسلامي المقرب من جبهة "النصرة" المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، وقد يكون ذلك متوقعاً وطبيعياً لكون التنظيمات المتشددة عدوة أخرى لقيم الديموقراطية العالمية، ما يوحي بوجود ازدواج في المعايير تفقد المنظمات المستقلة مصادقيتها، إلا أن العبدالله رغم ميوله الإسلامية، مثل شريحة من الناشطين الميدانيين الذين نقلوا الحقائق الميدانية وجرائم الحرب التي ارتكبتها قوات النظام خلال السنوات الأولى من الثورة السورية، وقدموا مصدراً آخر للمعلومات الميدانية لم يكن متوفراً بسبب الظروف الأمنية من جهة وطرد النظام للمراسلين العرب والأجانب من البلاد من جهة أخرى.

وامتد هجوم النظام ليصل إلى الناشط سرمد الجيلاني مؤسس فريق "الرقة تذبح بصمت" الشهير الحائز على جائزة حرية الصحافة من الفرع السويدي في "مراسلون بلا حدود" العام 2016. وفيما كان نشاط المجموعة مخصصاً في الغالب لفضح ممارسات تنظيم "داعش" الذي استولى على الرقة وحولها عاصمة لخلافته البائدة، إلا أن تحريض الجيلاني العام 2017 على اغتصاب فتاة سورية رفعت علم النظام في تركيا، وهو تصرف شائن دانه المعارضون بشدة حينها، فتح الباب أمام إعلام النظام منذ ذلك الوقت لمهاجمة الثورة السورية بوصفها "غير أخلاقية".

وفيما يمكن تفهم أسباب الجدلية في الاسمين السابقين، إلا أن إعلام النظام لم يجد ما يهاجمه في شخصيات أقل شعبوية، فهاجم الناشط والحقوقي البارز مازن درويش فقط بسبب جهوده الأخيرة لاستصدار مذكرات اعتقال دولية بحق ضباط سوريين مؤخراً، لاشتراكهم في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في البلاد. كما هاجمت الصحافية البارزة زينة ارحيم لقيام صحافية إسرائيلية بإعادة تغريد إحدى منشوراتها في "تويتر"، وكان لافتاً عدم مهاجمته للصحافية لينا الشواف التي فازت بجائزة "مراسلون بلا حدود" للعام 2018.

الأسماء السابقة، وغيرها من رموز الثورة السورية، تجعل سردية النظام لما حدث في البلاد واهية وغير دقيقة، ففيما يصور النظام ما حدث في البلاد بكونه مؤامرة خارجية أو حرباً أهلية على أبعد تقدير، تنسف الأسماء المعارضة، وتحديداً المدنية والعلمانية منها، ذلك الوهم، ويصبح نزع الشرعية والمصداقية عنها حتمياً للنظام وحلفائه، كجزء من مبادرة دبلوماسية روسية تم الحديث عنها العام 2017، لإعادة صياغة النقاش الإنساني الدولي حول سوريا، ونقله بعيداً من التركيز على رفع دعاوى قضائية بخصوص جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الرئيس السوري بشار الأسد بتجويع مئات الآلاف من المدنيين في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة، وقتله الآلاف وتسببه بأزمة لجوء هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.

ولا يكتفي إعلام النظام بتعميم حالات شديدة الخصوصية، مثل الجيلاني، على كافة المعارضين له، بل يستند إلى تقارير كاذبة وشهادات مزورة لترويج أفكاره حول "الصلات المشبوهة" للمنظمات الغربية المستقلة مع "المنظمات الإرهابية"، ففي سياق الحلقة يتم التذكير بشهادات لصحافيين غربيين "مقاومين" فضلاً عن شهادات مختلقة لمنظمة "أطباء سويديون بلا حدود" حول فريق الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" ومجزرة الكيماوي في خان شيخون العام 2017، وهي شهادات قديمة من تأليف وكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء وأصدرت فيها المنظمة حينها بياناً صححت فيه المعلومات المضللة.

المضحك هنا أن التقارير الإعلامية المشابهة طوال السنوات الماضية في قنوات مثل "الإخبارية السورية" الرسمية أو "المنار" التابعة لحزب الله وحتى "روسيا اليوم"، تستند إلى شهادات من خبراء وصحافيين "غربيين" لتأكيد "مصداقيتها"، علماً أن هذا التناقض في شتم الغرب من جهة والاستماتة في الاعتماد عليه من جهة ثانية ليس عشوائياً، لأن النظام يدرك أنه فاقد للمصداقية ويحتاج بالتالي إلى "جهات محايدة" تتبنى موقفه، بغض النظر عن دقة المعلومات التي يتم بثها. وإن كانت معظم تلك الشخصيات أسماء مرتبطة بالدعاية الروسية في نهاية المطاف، وتروج لأفكار ضد نظام الديموقراطية "Anti-Establishment".

في ضوء ذلك، يضع النظام نفسه ضمن محور عالمي مقاوم للديموقراطية الغربية بوصفها "سلعة معولمة"، وينادي بحرية مصادر المعلومات البديلة "Alternative News" في العالم، ويعني بذلك مصادر "الأخبار الكاذبة" الممولة من الكرملين مثل "المصدر نيوز" المهتم بالشأن السوري، ومئات المواقع التي باتت سلاحاً روسياً لمهاجمة الديموقراطيات حول العالم، والتي ساهمت في انتخاب رؤساء شعبويين متطرفين مثل دونالد ترامب في الولايات المتحدة، وحتى في تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي.

المثير للسخرية هنا، أن تعريف النظام للمعلومات البديلة لا يشمل الناشطين والصحافيين المعارضين، الذين حازوا على مكانتهم وأهميتهم أصلاً، لتقديمهم معلومات بديلة خارج إطار السلطة في البلاد. بل يصبح أولئك مصدراً للأخبار الكاذبة "Fake News" أو عملاء مرتبطين بالاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، وخونة وشركاء في المؤامرة، وغيرها من المصطلحات التي يتفوق النظام على نفسه في ابتكارها مرة بعد مرة. والمضحك أكثر من ذلك كله، هي دعوة "الإخبارية" في نهاية الحلقة لإنشاء مقاومة في الغرب ضد "أكذوبة الديموقراطية" من أجل تحرير المواطن الغربي "المخدوع" من ذلك "الشر"!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها