الجمعة 2015/04/10

آخر تحديث: 17:08 (بيروت)

"40 الحرب".. ليس تاريخاً لفك الحداد

الجمعة 2015/04/10
"40 الحرب".. ليس تاريخاً لفك الحداد
حملة "40 الحرب" تفتح الباب للسؤال عن مصير كل مواطن لبناني (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
يتكئ علي حجازي على الحائط، في إطار نحاسي قديم. يبدو باللونين الأبيض والأسود عالقاً ليس فقط داخل الإطار، بل أيضاً في زمن آخر من الماضي، زمن الصور غير الملونة. لم يحضر حجازي شخصياً، جاء صورةً تحملها أمه، وبقي هو- الحقيقي حيث الإجابات المفقودة. بقي علي في مكان ما، مع سائر مفقودي الحرب اللبنانية، يبحث عن وطنه وينتظر منه سؤالاً. أن تكون الصورة الأخيرة التي تحملها أم علي له بالأبيض والأسود، فهذا دليل على أحادية ألوان سلم التسعينات، وعلى أن هذا السلم أبى أن يشمل الجميع.

"عندما مر قطار السلم ولم يتوقف ولم يلتفت الينا، صرخنا يا وحدنا..."، تقول رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين وداد حلواني في مؤتمر صحافي عقد اليوم في مسرح دوار الشمس لإطلاق حملة "40 الحرب" في الذكرى الأربعين لبداية الحرب الأهلية، والتي ستدوم 40 يوماً. و"الأربعون هو نهاية تقبل التعازي... الأربعون يعني أربعين يوماً" تقول حلواني. تردف: "أما مسؤولو لبنان فقد أخذو منا أربعين سنة، وحتى اليوم لم يشاؤوا أن نفك الحداد، لم يسمحوا لنا أن نبدأه".

أوضاع أهالي المفقودين لم تتغير كثيراً خلال أربعين عاماً مرت. فهم، ما عدا التجاعيد التي تزايدت في وجوههم، والموت الذي أخذ العديد منهم، لا يزالون عالقين في ذاكرة الحرب. يستمرون في الدوران داخل هذه الدوامة، يناضلون لمعرفة أي تفصيل يحررهم، ويواجهون النكران من قبل الدولة.

تسأل وداد، بشكل متماه مع الحملة التي يطلقها الأهالي، تسأل حكام لبنان "عمّا فعلوه غير خطف 40 سنة من حياة الأحياء". وبعد أن "فرّخت حربنا غابة من الحروب، كيف تنامون؟"، كيف تنامون، و"لنا أخوة في الجيش والدرك رهائن منذ 9 أشهر؟"، ثم تسأل وداد: "نحن مواطنو لبنان أيضاً، ماذا فعلنا؟".

الحل بالنسبة لهؤلاء "علمي وعادل". ولكن أي عدالة هذه؟ تقول حلواني إنها في كل مرة تطالب بحل عادل، غير أنّه "بالكاد مقبول بعد الفاتورة المجانية والباهظة التي دفّعتنا إياها الحرب، يضاف إليها تعاطي الدولة اللامسؤول وإنسحاب المجتمع". وللحل العادل، افتراضياً، وجهان، تنفيذي وتشريعي. ويبدأ الوجه التنفيذي بـ"الإعتراف بالقضية وبالمفقودين من خلال الإعتراف بأهاليهم". لهذه الناحية، سبق أن تقدمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ سنتين للدولة اللبنانية بإقتراح إتفاقية تعاون لجمع عينات الحمض النووي من الأهالي وحفظها. غير أن الدولة "لا زالت تماطل، تراوح، تكذب وتتلاعب"، تقول حلواني.

أمّا الوجه التشريعي، فيتم من خلال دراسة مشروع قانون ينصف المفقودين ويعترف بهم. تذكر حلواني أن هذا "المشروع لن يعاقب أحداً على ما إرتكبه في الماضي، فقط سيعاقب من لديه معلومات في الحاضر تفيد عن أماكن تواجد المفقودين أو رفات بشرية ويتكتم عليها". كما يعاقب القانون من "يدلي بمعلومات خاطئة لتضليل التحقيق، أو من يعبث بأي مقبرة ذات صلة".

في الذكرى الأربعين للحرب، يتمنى الأهالي لو "نفكر بأبعد من الحرب، ونتأمل واقعنا، نتأمل ما يحيط بنا، الحروب التي عُلّقت على تيّار حربنا، وبحروبنا وخلافاتنا وخنادقنا التي علّقناها على حروب الآخرين". يحاول الأهالي حث ذاكرة المجتمع على عدم النكران والنسيان، يسألوهم بأربع صور عن مستقبل أولادهم، عن حكامهم، عن المفقودين وعن دورهم كمواطنين. يقوم أهالي المفقودين بهذه الخطوة، بينما "تنتشر مأساة الحرب كالسرطان في منطقتنا". يخطون خطوة نحو الأمام للإجهاز نهائياً على الحرب، لكي لا يتركوا "الحبل على غاربه ونكتفي بعبارات الأسف والتحسّر".

يريد أهالي المخطوفين والمفقودين لحملة "40 الحرب" أن تدخل الطرقات الفرعية والزواريب، أن تتباناها النوادي والجامعات والنقابات والبلديات... أن تتحول الى مساحة مشتركة تتعلق بالذكرى في المناطق اللبنانية كلها". وهم يريدون من هذه الحملة أيضاً أن تكون "مناسبة لطرح كل الأسئلة حول القضايا العالقة منذ 40 سنة"، كالمساحات العامة، الإعلام، المعوقين، الكهرباء...

يسأل الأهالي المواطنين عن غيابهم وتنحيهم عن دورهم الممنوح لهم بهذه الصفة. بالمقابل يدعو الأهالي الجميع للمشاركة بالحملة والإرتقاء بها الى مستوى الذكرى، وذلك من خلال وسائل التواصل الإجتماعي. يمكن لأي شخص في هذا الإطار أن يلتقط لنفسه صورة يشير فيها الى مكان تواجده، ويرفقها بسؤال "بس هني وين؟". تساعد هذه الحملة على تذكير الناس بوجود أشخاص غير معروف مكانهم منذ الحرب وحتى اليوم.   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها