الإثنين 2015/06/29

آخر تحديث: 16:30 (بيروت)

لا أحد يحب المحامين

الإثنين 2015/06/29
لا أحد يحب المحامين
الدفاع عن الناس، كما في يوتوبيا المحامين، يمكنه ان يكون دفاعاً عن كل الناس (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease
في العام 1987 نشر روبرت بوست (Robert C. Post) دراسة، في مجلة California Law Review، عن النظرة السائدة إلى المحامين في الولايات المتحدة الأميركية، بناءاً على إستطلاع رأي كانت نشرته قبل عام The National Law Journal. في الجوانب السلبية لهذه المهنة، رأى 32 في المئة من المستجوبين أنهم يرون لدى المحامين إهتماماً زائداً بالمال، كما انهم يتلاعبون بالنظام القانوني من دون إهتمام بما هو صحيح أو خاطئ، وفق 22 في المئة منهم. أما في الجوانب الايجابية، فقد رأى 38 في المئة من المستجوبين أن أفضل ما في المحامين إعطاءهم الأولوية في عملهم لعملائهم، وقدرتهم، وفق 31 في المئة، على تجاوز روتين البيروقراطية. 


وما يبدو واضحاً عند بوست، في دراسته هذه، أن المُستجوبين يكرهون ويقدرون المحامين للأسباب نفسها. فما هو إيجابي عندهم، هو نفسه في إتجاه معاكس، سلبي. ويمكن الإفتراض لو ان استطلاع رأي مشابهاً أجري في لبنان، الآن أو قبل سنوات، فإن نتائجه في الغالب لن تكون بعيدة من هذه النتائج. وهذه مشكلة مهنية في الأساس. ذلك ان المهن تمثل نفسها بما لا تكون عليه بالضرورة، وهي تفرض صورتها هذه فرضاً. لكن هذا الضبط يمارس أولاً على العاملين فيها قبل غيرهم. وعند المحامين تحديداً شرعة وقسم، ثم معايير ومجلس تأديبي.

وهذه السجلات المكتوبة تشبه، في تدعيمها نظاماً قائماً، السجلات "الدفترية" التي اعتمدها محمد علي باشا في تأسيسه جيشه النظامي وضبطه، على ما يرى المؤرخ المصري خالد فهمي في كتابه "كل رجال الباشا". وفي حالتي المحامين والجيش تتأسس "السلطة الانضباطية" على مثل هذه السجلات، وهي شكل "حديث" وتمثيلي للسلطة. لكن الفرق أن هذه القوانين، في حالة الجيش، تمثل صورة الباشا ونفوذه. أما في حالة المحامين فتمثل صورة أيقونية لمحام مثالي.

وفي الأساس، هذه مشكلة الجماعات في إعلان حضورها بين سواها في مجال عام لا يحكمه غير النفوذ وصراعته. نحن إزاء استعراض أدائي دائم يمارسه الأفراد وجماعاتهم، ويجسدون من خلاله صورهم، أو ما يعتقدون أنه يليق بهم. وهذا ما ليس بعيداً عن مفارقات أخرى. فأن تدافع محامية، مثل بشرى الخليل، عن صدام حسين لا يُعد أمراً مشيناً، ولا يستحق التدقيق فيه بإعتباره مسيئاً لأخلاقيات المهنة، وإن كنا في "معاييرنا الأخلاقية" – وهذه مسألة ذاتية طبعاً- نتساءل كيف لمحام، لا شأن له بتاريخ هذه المنطقة، أن يتطوع للدفاع عن رجل كهذا. لكن ظهورها في هيستيريا تلفزيونية وحده ما يستنفر أعضاء نقابتها اللبنانيين، فتحال إلى مجلس تأديبي، كما حصل الأسبوع الماضي.

والحال أن الفعلين، ربما، لا يستحقان مساءلة ولا تأديباً. فهذه المهنة مصلحة، أو حرفة، يذهب بها صاحبها، في تأسيسه لنفسه وصورته، إلى حيث يشاء. والدفاع عن الناس، كما في يوتوبيا المحامين، يمكنه ان يكون دفاعاً عن كل الناس، في مختلف تدرجاتهم وأخلاقهم وسلوكهم. وهذا مأزق عام، اذا ما أردنا العودة إلى خلاصات بوست نفسه. فالناس يرون في المحامين، كما في هذا المثال، مرآة أو انعكاساً لهم، في سعيهم نحو "قيم مشتركة"، كما في نفورهم في الوقت عينه من الضوابط الجمعية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها