الأربعاء 2015/11/25

آخر تحديث: 12:35 (بيروت)

ذئب كريم دكروب يطرح أسئلة الأطفال حول الإنسانية

الأربعاء 2015/11/25
ذئب كريم دكروب يطرح أسئلة الأطفال حول الإنسانية
دكروب: أي مسرحية للأطفال يجب أن تكون جاذبة للكبار أيضاً لنقول أنها مسرحية ناجحة (جمعية خيال)
increase حجم الخط decrease
"كاراكوز"، هذه الصّفة التي نطلقها على من يضحكنا ويسلينا، وهي في الأصل تسمية لأحد أنواع مسرح الدمى وهو مسرح الظل. تعيدنا هذه الكلمة إلى مقاهي طرابلس وبيروت وصيدا في أواخر القرن التاسع عشر، حين كان أجدادنا يجتمعون لمشاهدة "الكراكوز" وتكشف عن القيمة الترفيهية لهذا النوع من المسرح قبل أي شيء آخر. مع هزيمة الأتراك في الحرب العالمية الأولى وانتقال لبنان إلى الإنتداب الفرنسي، تلاشى هذا التراث واختفى ليظهر مجدداً، بطريقة مملّة وتعليمية، على يد الفرنسيين في المدارس بهدف نشر اللغة الفرنسية في زمن الإنتداب.


بيد أن جوزيف فاخوري، وهو من رواد هذا النوع من الفن، استطاع أن يعيد الدُّمى بقيمتها الترفيهية إلى الأوساط اللبنانية عن طريق "تلفزيون لبنان" في الستينات من القرن الماضي، فكانت له عروضٌ تلفزيونية صغيرة حينها. لكن "العصر الذّهبي" لمسرح الدّمى يعود إلى ملاجئ الحرب الأهلية اللبنانية، حيث بدأ المخرج كريم دكروب مسيرته في هذا المجال. ألهمت عروض فرقة "السنابل" دكروب بحب الدمى، وتمحورت عروض "السنابل" في ذلك الوقت حول قضايا تتعلق بالهوية اللبنانية والعربية والصراع الطبقي والأحلام وغيرها، باستخدام طرق وتقنيات تقليدية ومتواضعة في العرض. أما دكروب، فبدأ مسيرته الشخصية في هذا المجال عبر مشاركته في أعمال لـ"النادي الثقافي العربي" وجمعيات أخرى خلال الحرب الأهلية وفي الملاجئ الموجودة على المحاور تحديداً.

دكروب هو خريج المدرسة الروسية في الإخراج، حيث تخصص في مجال "مسرح الدمى" أثناء دراسته الجامعية وتخرج في العام 1993 ليعود إلى لبنان ويتخصص في ما بعد في علم النفس والعلاج النفسي. لم يكن خيار دكروب هذا عبثياً بل نابعاً من إيمانه بنظرية أرسطو، وهو أول من وضع قوانين ونظريات حول المسرح والدراما بحسب دكروب، وتحديداً الـ"كاتارسيز" أي التطهر، "لذا فكل مسرح جيّد هو مسرح علاجي"، يقول دكروب.

في الفترة الأولى من عودته إلى لبنان، حاول دكروب تجديد مفهوم مسرح الدمى من خلال عمله على إطلاق مهرجان عالمي للدمى في لبنان وتنظيمه لدورات تدريبية في هذا المجال. وقد أخرج مسرحيات كثيرة حتى استطاع في العام 2004 تشكيل فريق عمل يرافقه في معظم أعماله متمثلاً بجمعية "خيال". وتعرض "خيال" أعمالها على مسرح "دوار الشمس" الذي يعتبر المقر الدائم لها حالياً، وهي تقدم عروضاً أسبوعية للمسرحيات القديمة الناجحة ولمسرحيات جديدة، آخرها مسرحية "يا قمر ضوي عالناس" التي ستعرض للمرّة الأولى الخميس المقبل، 26 الجاري، على المسرح نفسه.

في هذه المسرحية، الذئب يحكي القصّة من وجهة نظره، وهي تتناول ما حدث معه في طريقه إلى الصّيد، حين وجد مجموعة أشخاص يرمون طفلاً في البئر، فيتهمون الذئب بأكله. في هذه المسرحية، يطرح الذئب تساؤلات حول القتل والشر والحرب والتشرّد. تأتي هذه المسرحيّة، كما يقول دكروب، "في ظل ما يشهده العالم من أزمة إنسانية شبيهة بتلك التي عاشها في الحرب العالمية الأولى وما يشهده أطفالنا حالياً من قتل وعنف وما يولد ذلك فيهم من حيرة بين المثاليات والواقع وبالتالي أسئلة لا يجيبهم عليها أحد".

بالإضافة إلى دكروب، ساهم عدد من الأشخاص في العمل على هذه المسرحية، كل في مجال تخصصه ومنهم أعضاء في "خيال". وتشمل فرقة العمل أحمد قعبور، وليد دكروب، أمل ناصر، فؤاد يمين، أليسا رعد، نعمة نعمة وسيلينا الشويري بالإضافة إلى عدد من الممثلين والممثلات.

تعكس هذه المسرحية مفهوم دكروب حول مسرح الدمى بشكل عام والذي يرى فيه مكاناً لحرية طرح التساؤلات بشكل صريح وغير مموّه والإجابة عليها بالطريقة الصريحة نفسها. مسرح الدمى هو مكان للحلم والخيال والمعرفة بطريقة إبداعية بالنسبة لدكروب، على عكس ما هو شائع في الدول العربية ومنها لبنان حيث ما يزال التوجه في مسرح الأطفال عموماً "توجهاً أبوياً أخلاقياً وعظياً". أما الحريّة التي يحكي عنها دكروب فهي "داخلية شخصية تتمثّل بنمط تفكير مختلف عن الطريقة الشائعة في بلادنا، لذلك فمسرح الدمى ما زال بحاجة إلى وقت طويل ليتطور في المنطقة". تعود أهمية حريّة "الفكر" في مسرح الدمى إلى الدور الفكري للمسرح بالإضافة إلى الدور الترفيهي، كما يشرح دكروب، اذ "لينجح المسرح يجب أن يكون وراءه فكر معين وحاجة ماسة لدى العاملين فيه للبوح بشيء معين للناس".

وهناك اختلافات كثيرة تميّز مسرح الدّمى عن المسرح التمثيلي. وبالنسبة لدكروب فإن "تقديم أي نص مسرحي من خلال مسرح الدمى يضيف بعداً جديداً للنص نفسه". أمّا أهم خصائص مسرح الدمى فهي القدرة على إفلات الخيال من أي قيود، ووجود تقنيات متنوعة لتقديم مسرح الدمى ومنها دمى الظل والخيوط، بالإضافة إلى أن شخصيات الدمى هي شخصيات متفلتة من الزمان والمكان وتستطيع القيام بأفعال لا يستطيع أن يقوم بها الإنسان. فـ"مسرح الدّمى هو لغة فنية لها قوانينها وطرقها التعبيرية، شأنه شأن الأوبرا والباليه والرقص التعبيري والسيرك. وعبر هذه اللغة يمكننا تقديم أي نص مسرحي سواء كان لشكسبير أو من مسرح التراجيديا اليونانية"، يقول دكروب.

ويؤكّد دكروب أن معظم جمهور هذا النوع من المسرح هو من الطّبقة الوسطى، معللاً ذلك بالمعرفة والقدرة الماديّة لهذه الطبقة، لذلك تحاول جمعيّة "خيال" الوصول إلى الأطفال الأقل حظاً من الأطفال الآخرين عبر الجمعيات والمدارس والدعوات المجانية بين الحين والآخر. ومن الشائع في لبنان أن مسرح الدمى هو مسرح للأطفال، إلا أن دكروب ينفي صحة هذا الإعتقاد ويؤكد أن "هذا المسرح موجّه إلى كل الفئات العمرية وفي أول ظهوره كان موجهاً للكبار. وفي الواقع، فإن أي مسرحية للأطفال يجب أن تكون جاذبة للكبار أيضاً لنقول أنها مسرحية ناجحة". بيد أن جذب الصّغار يبقى أصعب من جذب الكبار، "نظراً لتصرف الكبار بطريقة اجتماعية في الأماكن العامة، ما يجبرهم على الهدوء في المسرح وإن لم يعجبهم العرض، بعكس الأطفال".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها