الأحد 2014/08/31

آخر تحديث: 12:37 (بيروت)

من يقنع البلدية أن حرش بيروت مساحة عامة؟

الأحد 2014/08/31
increase حجم الخط decrease
لم تكن الدعوة إلى "نزهة في حرش بيروت"، أمس، إستثنائية، وإن سمحت بفتح أبواب الحرش لساعات ثلاث للعموم. بل إن دعوة جمعية "نحن" وجمعية "Green Project"، التي هدفت الى تعريف الناس على الحرش لـ"كسر المنع المفروض عليهم وذلك بدفعهم الى ممارسة حقهم بالاستنفاع من الملك العام"، أكدت "التمييز" الذي تمارسه البلدية ازاء الحق بالولوج إلى الأملاك العامة. إذ لم يشفع إذن الدخول الذي حصل عليه منسقو التحرك، للسماح للناس بالدخول إلى الحرش، إلا بعد تأخير 40 دقيقة. أثناء ذلك اختبر موظفو بلدية بيروت مهاراتهم التبريرية عبر اختلاق أسباب لمنع الناس دائماً من الدخول إلى الحرش، إذ أنهم "متل المش شايف شي بحياتو ولا تستحقوا المعاملة مثل الناس المتحضرين.. ودخولكم يعني تخريب الحرش بقذارتكم وأوساخكم"، على ما قالوا. عدا أن دخولهم، في مخيلة موظفي البلدية وحرس حرشها المخطوف، "سيحفز آخرين للدخول من لاجئين سوريين وجنسيات أخرى ليصبح الحرش مسرحاً للتحشيش ولأعمال مخلة بالقانون". وكأن حرش بيروت قد تحول الى منطقة عسكرية مغلقة.

ويعتبر حرش بيروت المساحة العامة الأكبر في العاصمة. ومنذ العام 2002 تمنع البلدية أبناء المدينة وضواحيها من الدخول إلى الجزء الأكبر منه، أي منذ نهاية المهلة التي أعطتها البلدية، في العام 1992، لإعادة فتح الحرش. ويقول عباس، وهو ناشط اجتماعي، انه يضطر "للخروج من بيروت للوصول الى مساحات خضراء. لكن في الجبال القريبة من بيروت أغلب الأراضي أملاك خاصة وهذا أمر غير مريح بالنسبة إلي". يضيف: "المضحك في الأمر أنني أمارس رياضة الركض يومياً في المنطقة، لكن على الرصيف المحاذي للحرش الذي تمنعني دولتي من الدخول اليه".

وتقول رانيا بركات، وهي ناشطة مدنية، أنها المرة الأولى التي تدخل فيها الى الحرش، الذي لم تكن قد سمعت به إلا منذ عام وعبر أصدقاء لها فرنسيين. واستغربت، في حينها، شروط الدخول إلى الحرش "الذي يسمح للفرنسيين خاصة والأوروبيين عامة بدخوله. أما من اللبنانيين فيسمح بالدخول فقط لمن يفوق عمره الـ30 عاماً، على أنه مضطر للحصول أيضاً على إذن خاص. ويجب أن يكون عاملاً في الوظائف العليا مثل المهندسين والأطباء والمحامين، بحيث تُمنع الفئات الأخرى، الأقل مكانة، من الدخول". وتضيف رانيا أن "هذا المنع غير مفهوم. اذ يجب أن تساهم الدولة في تحفيز الناس على الدخول الى الحدائق بدلاً من منعهم". وهذا ما يشدد عليه محمد منتش أحد أبناء المنطقة المحيطة بالحرش، الذي يعتبر أن "المساحات العامة وخصوصا في منطقتنا هذه، والتي تفصل بين مناطق متوترة، يمكنها أن تؤدي دور المساحة المشتركة لتلاقي أجيال جديدة مما يزيد فرص التلاحم بين الشباب. ويبقى أن الحرش متنفس مهم لتخفيف الضغوطات المعيشية من خلال الاحتكاك بالأجواء الطبيعية".


ويتكون الحرش بشكل رئيسي من مجموعة كبيرة من أشجار الصنوبر، التي تعتبر المناطق الساحلية الأكثر ملاءمة لنموّها. إضافة إلى أشجار الزيتون والسنديان والأكاسيا. وكانت أشجار الحرش قد تعرضت مراراً، في القرون الماضية، للقطع. ثم أعيد تشجيره خلال عهد الأمير فخر الدين، لكن مع بداية الحرب العالمية الأولى قطعت أشجاره بشكل كبير لتزويد القطارات العثمانية بالطاقة. وتبلغ مساحة الحرش 335 ألف متر مربع، أي أنه يفوق مساحة حديقة الصنائع، الثانية من حيث الحجم بين المساحات الخضراء، بـ15 ضعفاً.

ويقول محمد أيوب، المدير التنفيذي لـ"نحن" ومنسق تحرك أمس، أن "بلدية بيروت ومنذ العام 2012 تقدم الوعد تلو الآخر لفتح الحرش وتخلق حججاً لم يعد بالإمكان السكوت عنها. قدّمنا في العام 2011 كل الدراسات اللازمة لإعادة تأهيل الحرش، بالتعاون مع "ايل دو فرانس"، التي قدّمت وقتها دفتر شروط تفصيليا يتضمن المستلزمات التي يحتاجها المشروع. لكن المناقصة لم تتم إلى الآن. ومؤخراً اتضح أن هناك محاولات من البلدية لتقديم دفتر شروط جديد لتنفيذ المشروع". ومن الشروط الجديدة للمشاركة في المناقصة تنفيذ المشروع كاملاً مع المواد الصلبة، وفق أيوب، "وهذه وغيرها من الشروط الجديدة تضيّق الخيارات أمام الشركات التي تسعى إلى أن تُلزم المشروع، إذ تسمح للبلدية بالتحكم بالشركة الفائزة بالمناقصة". لكن أيوب يستدرك أن الهم الأول الآن هو لفتح المشروع، "وقد أخذنا وعدا من البلدية بأنها وخلال ثلاثة أسابيع ستعلن عن مؤتمر صحافي للبدء بالمناقصة".
يضيف أيوب: "في حال لم تلتزم البلدية بوعدها هذه المرة نعد، بدورنا، بتنفيذ تحركات تصعيدية أكبر تضم فئات أوسع من المجتمع".


ويشدد أيوب على أن "المساحات العامة تحفز الناس على التلاقي الممنوع عليهم، بسبب التقسيم الطائفي في السكن. وهذا ما يكرس التفكك الاجتماعي. لكن الحرش يمكنه أن يساعد في خلق هوية جديدة خصوصاً عند الأطفال، الذين بإعطائهم هذه المساحات نقدم لهم فرصة للعب بحرية أكبر بحيث نبعدهم عن التلقين واللعب بأدوات محددة".

increase حجم الخط decrease