وبعيداً من أسباب هذا التراكم، وصرعاته، هذه فرصة للتآلف أو التصالح مع النفايات التي ننتجها، بإعتبارها امتداداً عادياً لحياتنا اليومية. وهي، عند أفراد آخرين، باب رزق غير معلن أو خفي. اذ أن التجول في بيروت، ليلاً، يكشف عن عمل منظم يقوم به شبان صغار، يفترض أنهم أشخاص محدودو الدخل، لـ"نبش" هذه النفايات وتخليص بعضها مما تحتويه من "الهدر". وهذه الحياة الليلية/ السرية يمكنها، كما في اليومين الماضيين، أن تفيض عن زمنها، ومكانتها -الدونية افتراضاً-، لتصبح حياة عامة.
والحال أن مشهد التراكم في الشوارع، كما صباح هذا اليوم، لا يثير الإستغراب. الناس يمرون من أمام مستوعبات النفايات كما لو أنهم لا يرون شيئاً غير عادي، أو غير مألوف. تراكم طبيعي و"انساني"، في معنى ما. الخطر لاحق، أو متأخر. فعدم الوصول إلى حل سينقل المشكلة من مشهد بصري، تتفاوت جماليته، إلى رائحة غير متوقعة، ولا تُحتمل في الغالب. والوحش اللطيف، لن يبقى لطيفاً، في تمدده في الهواء، عمودياً وأفقياً، ويؤثر سلباً على العلاقات الاجتماعية وتشاركها للمجال العام، المضبوط أساساً بـ"إحتلالات" أخرى، على ما يمكن لواحدنا أن يتخيَّل.
لكن مشهد المدينة غارقة في النفايات لا يبدو شيئاً مستفظعاً. ليس لأن كل شيء زبالة في هذه الحياة وفي هذه المدينة، وهذا ليس الواقع طبعاً، بل لأننا نقترب من المدينة التي لا نراها، ومن حيوات أخرى يستهلكها أفرادها، وكأنها تستكمل سياق تطورها، وتصل إلى ذروتها المفترضة. يبقى أن هذه مناسبة جدية للتفكير أيضاً بقصيدة لمحمد العبدالله لا يقول فيها غير "لولا الزبالون".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها