السبت 2015/09/19

آخر تحديث: 14:01 (بيروت)

توسع صلاحيات مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية.. تكميم أفواه

السبت 2015/09/19
توسع صلاحيات مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية.. تكميم أفواه
توسع مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في صلاحياته ينعكس سلباً على حرية التعبير(getty)
increase حجم الخط decrease

"الو... ممكن تشرف على التحقيق"، لا تعتبر هذه العبارة الواردة في اتصال هاتفي غريب عن مسامع الكثير الصحافيين والمدونين والناشطين الالكترونيين، خاصةً خلال السنوات الاخيرة،  بعدما حظي هؤلاء بـ"استضافة" مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية للتحقيق حول اراء وتعليقات ومقالات نشرت لهم عبر الانترنت.

سلطة "المكتب"

تعاظم دور وسلطة "المكتب" التابع لوحدة الشرطة القضائية في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، ما فرض واقعاً من قمع حرية الناشطين عبر مواقع ومنصات التواصل الالكتروني.

وبالرغم من ان انشاء "المكتب" جاء بصورة مخالفة للقانون، الا انه يقوم بإستدعاء وترهيب الناشطين والصحافيين عبر اخضاعهم للتحقيق لساعات طويلة والزامهم بتوقيع "تعهد الصمت" بعدم التعرض للأشخاص مجددا في كتاباتهم كشرط اساسي لإطلاق سراحهم.

والمخالفة في إنشاء "المكتب" تتلخص بعدم اتباع الخطوات القانونية الموجبة في قانون تنظيم قوى الامن الداخلي رقم 17/91 لإنشاء وحدات هذا الجهاز الأمني. أي عبر إصدار مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية واستطلاع رأي مجلس القيادة في قوى الامن الداخلي.

 وتشكل هذه الممارسات خرقاً فاضحا لحرية الرأي والتعبير المكفولة في الدستور، وفي المواثيق والمعاهدات الدولية التي التزم بها لبنان والتي تعتبر جزءا من القوانين النافذة والواجب مراعاتها.

 سياسة لتكميم الأفواه!

عماد بزي، ربيع فران، مهند الحاج علي، رشا الامين، جينو رعيدي، ريتا كامل، كريم حوا، حياة مرشاد، وغيرهم من الصحافيين، المدونين والناشطين الالكترونيين خضعوا للتحقيق أو لإحتجاز حرية غير مبرر، بلغ حدود 120 ساعة توقيف قي قضية الطالب الجامعي في كلية الاعلام كريم حوا الذي نشر رابطاً الكترونياً لم يرق لوزير الداخلية نهاد المشنوق.

ممارسات المكتب لم تقف عند حد الاستجواب، ذلك أنه بعد إنتهاء كل تحقيق يلزم الناشط او المدون بتوقيع "تعهد بالصمت" والامتناع عن الكلام والتعبير ومناقشة الموضوع الذي إستدعي على اساسه للتحقيق وما يتفرع عنه والتعليق عليه.

هذا ما حصل مع المدونة ريتا كامل التي خرقت تعهدها بالصمت. فوجدت نفسها تستدعى مرة جديدة الى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بناء على شكوى الشركة نفسها التي ادعت عليها سابقاً بجرم التشهير.

تعتبر "تعهدات الصمت" بمثابة ممارسة قمعية تتجاوز ابعادها قصور النص الجزائي وتخلف إجتهاد محكمة المطبوعات عن صون مختلف اشكال التعبير النقدي. فهي ترتبط بذهنية التسلط وكم الافواه على حساب مفهوم الكرامة الانسانية والحريات العامة لا سيما حرية القول والكتابة التي كفلها الدستور اللبناني في المادة 13.

رفض الخضوع

ان تكون ناشطا الكترونيا في لبنان، تتابع وتناقش القضايا العامة وتشارك المعلومات المتداولة على الشبكة فهذا يعني خطر ان تجد نفسك مطلوبا او مستدرجا الى جلسة استجواب في "المكتب". فالأخير لم يفرّق بين صحافي أو مدون أو ناشط الإلكتروني.

في "المكتب" تخضع للتحقيق حول افكارك وآرائك. ويأتي ذلك بناء على شكوى او طلب محال من السلطة القضائية وتحديدا من النيابة العامة. لكن في قضية الصحافي مهند الحاج علي، رئيس تحرير موقع "ناو" باللغة العربية، كان الامر مختلفا، فبعدما مثل الحاج علي امام "المكتب" في 26 تموز 2013 بدعوى قدح وذم وإثارة النعرات الطائفية على خلفية مشاركته لمقال غير موقّع نشر على موقع "المحاسبة" (المنصة الالكترونية للحملة الوطنية لملاحقة مجرمي الحرب الأهلية). امتنع الحاج علي من الحضور بعدما استدعي مجددا الى "مكتب الجرائم الإلكترونية " في بيروت، لمتابعة التحقيق معه في الشكوى المذكورة، وأدت حملة قام بها مجموعة من الناشطين والصحافيين والحقوقيين الى سحب الملف من صلاحية مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وإحالته الى محكمة المطبوعات.

الأمر عينه تكرر مع الصحافية حياة مرشاد، التي رفضت الخضوع للتحقيق في 15 حزيران 2015  من قبل "المكتب" في دعوى قدح وذم مقدمة ضدها بسبب تعليقات نشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي، مما دفع المدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي كلود كرم لاسترداد الملف من مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، لإتخاذ التدبير القضائي المناسب.

تضاؤل الحريات الالكترونية وتقلص مساحة حرية التعبير، وما يرافقها من دعاوى قضائية واستدعاءات يقوم بها مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية لناشطين ومدونين وصحافيين. بالإضافة الى غياب القوانين والتشريعات التي تضمن حرية الانترنت، يدفع للتساؤل دوماً عن مستقبل الانترنت في لبنان، حيث تصبح الشبكة التي تحاكي احتياجات المواطنين وتضمن حقوقهم الشخصية والمجتمعية مجرد صورة متخيلة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها