الثلاثاء 2015/04/14

آخر تحديث: 14:56 (بيروت)

"تلفزيونات الحرب".. خطاب "الجماهير الخاصة"

الثلاثاء 2015/04/14
"تلفزيونات الحرب".. خطاب "الجماهير الخاصة"
مهمة تلفزيونات الحرب الأساسية كانت سياسية (Getty)
increase حجم الخط decrease
أربعون عاماً مضت على ذكرى إنطلاق الحرب الأهلية اللبنانية ولا يزال اللبنانيون يعانون من نتائجها، لدرجة التساؤل إذا كانت هذه الحرب قد انتهت فعلاً. لكن الأكيد أن أوضاعاً كثيرة تغيرت بعد الحرب. ومن أبرز القطاعات التي شهدت تغيراً كبيراً الإعلام المرئي والمسموع، خصوصاً المحطات التلفزيونية.

في العام 1959 أنشئت أول محطة تلفزيونية في لبنان بإسم "شركة التلفزيون اللبنانية" (تلة الخياط)، وفي العام 1961 أنشئت محطة ثانية بإسم "شركة تلفزيون لبنان والمشرق" (الحازمية). على ان المحطتين كانتا ملكاً للقطاع الخاص، لكن بإشراف الدولة اللبنانية. لكن مع اندلاع الحرب الأهلية، انقسم تلفزيون لبنان، في محطتيه، على نفسه، كما كانت حال بيروت، فأصبحت القناتين 7 و9 (الناطقة بالفرنسية) لسان حال بيروت الغربية "المسلمة". أما القناتان 5 و11 فقد نطقتا باسم قوى بيروت الشرقية "المسيحية"، وذلك على الرغم من توحيد المحطتين في شركة واحدة بإسم تلفزيون لبنان، منذ العام 1976، في عهد الرئيس الياس سركيس، وبمناصفة في الملكية بين القطاعين العام والخاص.

وبعدما كان "تلفزيون لبنان" التلفزيون الوحيد، والحائز على نسبة مشاهدة مرتفعة بطبيعة الحال، تراجعت هذه النسبة بشكل كبير بفعل سيطرة وسائل إعلام خاصة بدأت بالظهور منذ أواخر الثمانينات. ففي العام 1985 أُنشئت "المؤسسة اللبنانية للإرسال" (أل بي سي) "على هامش ميليشياوي"، وفقاً للمدون خضر سلامة، وكانت وقتها "مشروعاً قواتيّاً بحتاً". ومع مرور الوقت، ونهاية الحرب الأهلية، شهد البلد طفرة إعلامية واسعة استفادت من جو السلم والتوسع العالمي الاعلامي والتقدم التكنولوجي. فإنشئت محطات لبنانية عديدة، معظمها، إن لم تكن جميعها، ذات وصمة سياسية أو طائفية أو حزبية. يفسر الشاعر والإعلامي جوزيف عيساوي ذلك بـ"حاجة رجال الأعمال إلى استثمارات في القطاع التكنولوجي التلفزيوني الذي كان في حالة نمو. وكذلك حاجة أهل السياسة إلى منابر تساعدهم على إيصال أفكارهم". وعلى رغم وجود قانون يتيح لشركة "تلفزيون لبنان" احتكار البث إلى العام 2012 "سُمح بنشوء هذه المحطات إلى أن رأى النظام الحاكم حاجة لضبطها، وضبط الخطاب السياسي وتحاصص الإعلانات بين السياسيين الذين يملكون غالبية هذه المحطات".

عيساوي، الذي كان يقدم برنامج "بدون كرافات" في محطة "SIGMA"، يعتقد أن الهدف من وراء إنشاء هذه المحطة كان هدفاً ربحيّاً لا سياسيّاً. اذ اشترت مجموعة من رجال الأعمال (معتز الصواف، باسم زيادة وغيرهما) هذا التلفزيون. وكان أول تلفزيون في الشرق الأوسط متخصصاً في نوع معين (الفيديو كليب العربي والأفلام العربية)، إذ "كانت فكرة سباقة آتية من الغرب". تقنياً، لم تكن هذه المحطة بحجم محطات أخرى في حينها مثل "المستقبل" والـ"أل بي سي" وتلفزيون لبنان، لكنها "كانت تغطي بشكل خاص العاصمة وبعض المناطق، حتى أن التغطية كانت تصل أحياناً إلى الساحل السوري".

وعن سبب إقفالها، يقول عيساوي لـ"المدن" أن الحكومة اقترحت على المحطات أن تترشح للفئة الأولى، التي يُسمح لها بالبث السياسي، أو للفئة الثانية التي يُحظر عليها ذلك."وفي ما يشبه الخدعة لم تُعطَ التراخيص وقتها لأي محطة من الفئة الثانية، واكتفت الحكومة بإعطاء تراخيص لخمس أو ست محطات تلفزيونية من الفئة الأولى".

وفي أواخر العام 1991 انطلق تلفزيون ICN (الشبكة المستقلة للإعلام)، الذي رأس مجلس إدارته هنري صفير. وقد كان هذا التلفزيون يمثل التيار المسيحي المعارض لحكومة الرئيس رفيق الحريري. وبحسب صفير، فإن المحطة قد تعرضت للإقفال مرتين بقرار من مجلس الوزراء. "تم إحضار 400 عسكري وأربع دبابات في المرتين، حتى بعد قرار المحكمة بإعطائنا الحق في المتابعة"، يضيف صفير. وكان التلفزيون، وفقه، قد نال ترخيصاً في أيام الرئيس سليم الحص، لكن الترخيص عاد ليُسحب في العام 2003 في عهد الوزير غازي العريضي، بـ"حجة عدم دفع الضرائب والرسوم المترتبة علينا".

ويشير رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ، في حديث لـ"المدن"، أن "غالبية المؤسسات المرئية اليوم لا تدفع الضرائب بحجة أنّ القطاع المرئي يعيش وفقاً للقانون من مصدرين: الإعلان والصناعة الدرامية. وفي حين أن الصناعة الدرامية لا تأتي بالربح، لم يتجاوز المردود الإعلاني للعام 2014 الـ40 مليون دولار، وهذا لا يكفي مؤسسة واحدة. في حين تقدر الخسائر بحوالي 70 مليون دولار". ومن تلفزيونات تلك الفترة "المشرق"، الذي كانت تملكه "رابطة الشغيلة" ويمثل مجموعات "يسارية"، و"CBN" لبيار عازار، وهما قد اتحدا لاحقاً تحت إسم "UTV" (شبكة المشرق المتحدة)، ونالا ترخصياً في عهد الرئيس سليم الحص. ثم سحب الترخيص لاحقاً لـ"عدم دفعها الضرائب"، وفق محفوظ.

ويقول سلامة لـ"المدن" إنّ هذه التلفزيونات، التي أنشئت بين أوائل الثمانينات وأوائل التسعينات، والتي لم تستمر طويلاً، "كانت إجمالاً تلفزيونات سياسية مباشرة وتعبوية"، وتراوحت فترة بثها بين 12 إلى 18 ساعة، اذ لم تكن فكرة البث لمدة 24 ساعة معروفة بعد. وكانت غالبيتها تبث الموسيقى مع نشرات أخبار وبرامج فنية متواضعة جداً، "أي أنها كانت أقرب إلى إذاعة راديو مع بث تلفزيوني". لكن مهمتها الأساسية كانت سياسية، عبر مخاطبة الجمهور المباشر في المنطقة المُسيطر عليها من قبل حزب معين. "وهي الثقافة التي أرستها الحرب الأهلية واستمرت مع دمج التلفزيونات وحصرها في عدد معين. اذ استمرت هذه التلفزيونات الكبيرة السبعة في انتهاج الثقافة نفسها: التوجه إلى جمهور محدد جغرافياً وطائفياً"، يؤكد سلامة.

وقد كان هناك عدد من المحطات التي أنشئت في سنوات الحرب الأخيرة، خصوصاً بعد الاجتياح الاسرائيلي، إذ افتتح القوميون العرب تلفزيون "لبنان العربي" لفترة وجيزة. ومن الأمثلة على هذه التلفزيونات، تلفزيون "السنابل" الذي أنشئ في بداية التسعينات. "المحطة كانت عبارة عن غرفة في جبشيت في جنوبي لبنان، مع معدات متواضعة جداً، ويتألف طاقمها من ثلاثة أشخاص"، على ما يقول الصحافي علي بدرالدين، الذي كان مسؤولاً عن صياغة التقارير وكتابة النصوص في المحطة. وكان "هدف هذه المحطة ثقافياً وفنياً. إذ كان بثها يقتصر على عرض بعض الأفلام، بالإضافة إلى تصوير بعض التقارير في الحقل أو في مكان عام، وبثها إلى المناطق الجنوبية خصوصاً". وقد أقفلت هذه المحطة بعد أن كانت، وفقه، "تنال استحسان غالبية سكان الجنوب، وبعد تعرض مبنى مجاور لها للقصف الإسرائيلي، ولم تكن هناك إمكانيات مادية لترميمها، وهي التي كانت ممولة ذاتياً".

لكن صفير، من جهته، يرى أن سبب إنشاء هذه التلفزيونات يعود إلى إرادة البعض بـ"التخلص من الحرب الأهلية". واذا كان صفير يعتقد أن الحرب لم تنته بعد، فإنه يضيف أن الديمقراطية في لبنان "تخضع لديكتاتورية الاعلام، والاعلام نفسه يخضع لدكتاتورية المال". في السياق نفسه، يؤكد محفوظ أن "القطاع المرئي يتجه الى الموت، والحل يكمن في دمج المؤسسات المتعثرة، وإنشاء مدينة إعلامية، وإعطاء قروض للمحطات لإحياء القطاع. خصوصاً أنّ دور الإعلام يرتبط بالوظيفة التي تُعطى له. فتاريخ الاعلام سلبي في ما يخص الحرب لكونه كان جزءاً منها، بدل ان يكون ناقلاً لها".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب