الأحد 2015/10/04

آخر تحديث: 09:17 (بيروت)

تصفير الحسابات: مخالفة ساهمت في هدر المال العام

الأحد 2015/10/04
تصفير الحسابات: مخالفة ساهمت في هدر المال العام
تسببت عملية تصفير حسابات الخزينة لدى مصرف لبنان عام 1993 الى إنعدام تنظيم المالية العامة (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease

عملية تصفير حساب صندوق الخزينة المركزي في وزارة المالية يعني تصفير حساب الأموال النقدية في الصندوق. أما عملية تصفير حساب الخزينة لدى المصرف المركزي، فهي ببساطة التخلّي عن أموال الخزينة العامة المودعة لدى المصرف المركزي. ينتج عن تصفير الحسابات، إنعدام صحة رصيد الحساب الجاري للدولة اللبنانية لدى مصرف لبنان. والأهم أنها تؤدي الى عرقلة رقابة ديوان المحاسبة على الموازنات اللاحقة، وضمان محدودية هذه الرقابة بسبب عدم الدقة الأرقام الموجودة امامه. تطرح عملية تصفير الحسابات إشكاليات حول قيام عملية إختلاس للأموال العامة من خلالها، وتغطيتها من خلال خصخصة الرقابة عليها.


في الأول من كانون الثاني عام 1993، قام فؤاد السنيورة، وزير المال في حكومة الرئيس رفيق الحريري، دون أي مرسوم أو أي سندٍ قانوني، بعملية تصفير لحساب صندوق الخزينة المركزي وحساب الخزينة لدى مصرف لبنان، بذريعة فقدان المستندات القانونية واحتراقها خلال حرب 1975-1990. الأمر الذي أدى إلى رفض ديوان المحاسبة المصادقة النهائية على الحسابات منذ العام 1993.

 
خلال عامي 1991- 1992 لم تقم مديرية المحاسبة العامة في وزارة المال بإعداد قطع حساب الموازنة بحجة عدم وجود المستندات والقيود المطلوبة. في حين أن عملية إقرار الموازنة عن العام المقبل (1993) تتطلّب إقرار قطع حساب موازنة العام السابق. كما تتطلب إعداد كافة الحسابات المالية للأعوام السابقة. بالنتيجة، لم يعد تحديد ميزان الدخول لما قبل العام 1993 ممكناً، الأمر الذي يحول دون التصديق النهائي على الحسابات من قبل ديوان المحاسبة.


على الرغم من إدعاءات السنيورة، تنفي التقارير الصادرة عن ديوان المحاسبة، مقولة فقدان المستندات و"احتراقها". وتشير أيضاً إلى "أن من غير المعقول أن يكون رصيد حساب الخزينة في مصرف لبنان في أول عام 1993 "لا شيء" باعتبار أنه يخالف الواقع بصورة لا تقبل الجدل". كما تعتبر هذه التقارير أن وزارة المالية تمنّعت قصداً عن القيام بإعداد حساب المهمة عن عامي 1991-1992. وحساب المهمة هو قطع حساب الموازنة العامة للأعوام السابقة، مضافاً إليه النفقات والإيرادات. ويشير ديوان المحاسبة أيضاٌ إلى عدم اكتمال حسابات المهمة عن باقي الأعوام التي بقي فيها فؤاد السنيورة وزيراً للمال حتى العام 1998، قبل أن يعود وزيراً للمالية عام 2000. من جهتهم، يؤكد المدافعون عن تصفير الحسابات، أن مستندات عامي 1991-1992 موجودة فعلاً. ولكنها، وفقاً لهم، ليست سوى جزء بسيط من مجموع المستندات التي "أُحرِقت" بين عامي 1979 و1992.


عام 2010 أثار ديوان المحاسبة، برئاسة مديرة المحاسبة العامة بالتكليف رجاء الشريف، معلومات عن عمليات تزوير ومخالفات مالية سابقة وجارية في وزارة المال، الأمر الذي أدّى إلى خلافات بين وزيرة المال ريّا الحسن في حكومة الرئيس سعد الحريري وبين ديوان المحاسبة.


تسببت عملية تصفير حسابات الخزينة المركزية في وزارة المالية، التي قام بها السنيورة عام 1993، بعدم انتظام المالية العامة حتى يومنا هذا. وتثير هذه العملية التساؤلات حول إمكانية إختلاس الأموال، إن وجدت (في حال الفائض لا العجز)، بمشاركة أمين الصندوق المركزي السابق. على إعتبار أنه يتوجّب على امين الصندوق تقديم حساب المهمة السنوي بالمستندات والوثائق القانونية. أي بالتحديد تلك التي قيل أنها فُقِدَت أثناء الحرب.


أما بالنسبة الى تصفير حساب الخزينة لدى مصرف لبنان، فتشير الجهات المؤيدة للتصفير الى أن الموجودات كانت قد أودعت في مصرف لبنان بإشراف التفتيش المالي وأركان وزارة المالية ما يستبعد، وفقاً لها،  قيام عملية اختلاس الأموال العامة.


في العام 2006، عندما عين السنيورة رئيساً للحكومة، حاول عملياً شرعنة تصفير الحسابات الحاصل، من خلال تقديم مشروع قانون خاص يتيح لشركةٍ خاصة التدقيق في حسابات الدولة. وتبعه في ذلك وزير المال السابق محمد الصفدي عام 2011 عندما استعان بشركة Price Waterhouse Coopers .وتم الامر بموافقة الحكومة بشقّيها المعارض والموالي وقتها.


دستورياً وقانونياً، لا يحق لشركة خاصة الإطلاع على أسرار الدولة والتدقيق في حساباتها المالية، حيث أن الجهة الوحيدة المخوّلة القيام بذلك هي ديوان المحاسبة. كما تشير التقديرات إلى أن أكثر من 90% من المراقبين في وزارة المالية يملكون القدرات التقنية الكافية لإجراء عمليات التدقيق، ما يبطل الحاجة إلى شركة خاصة.


عملية تصفير الحسابات بالصيغة والضروف التي حصلت ضمنها، وتلزيم شركات خاصة القيام بالتدقيق بدل من القضاء المالي المختص، يستدعيان المساءلة والمحاسبة. لاسيما  في ظل وجود إشارات عديدة على استغلال النفوذ السياسي وتخطّي الضوابط والقواعد القانونية التي تبنى الموازنات العامة للدولة على أساسها. فلهذه العمليات تداعياتها الخطيرة بما تنطوي عليه من تخطٍ لأسس الإنفاق السليمة، وهي تؤدي الى إضعاف الدور الاجتماعي للموازنة العامة للدولة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها