الإثنين 2015/04/13

آخر تحديث: 15:33 (بيروت)

خط تماس "السوديكو"

الإثنين 2015/04/13
خط تماس "السوديكو"
تركت الحرب أثرها في بعض المباني التي باتت تعد من تراث بيروت كمبنى بركات (Getty)
increase حجم الخط decrease
لم تكن مناطق عديدة في لبنان معروفةً إلى ان بدأت الحرب الأهليّة. ففي الحرب قُسّمت المناطق بحسب الطائفة المهيمنة فيها وبدأ رسم خطوط التماس. وعلى الرّغم من مرور 40 سنة على بدء الحرب، وتغيّر معالم مناطق كثيرة، إلا أن قصص هذه المناطق ما زالت محفورةً في أذهان سكانها. وهذا ما يمكن ملاحظته في منطقة الـ"سوديكو" مثلاً التي نالت شهرةً خلال الحرب، لتشكيلها وقتذاك خط تماس ممتداً بين أحياء عديدة.


وفي تعريفه المنطقة، يقول مختار محلّة الباشورة مبارك بيضون أن "منطقة السوديكو عرفت في الأوساط اللبنانيّة خلال الحرب أكثر مما عرفت قبلها. وهي منطقة واقعة في وسط بيروت تصل منطقتين ببعضهما هما بيروت الشّرقية والغربية اللتان عرفتا أيضاً خلال الحرب". وفي المنطقة عينها، كان "خط بشارة الخوري" أو "أوتوستراد السوديكو" أو ما يسمى اليوم بـ"الياس سركيس" الممر الوحيد بين المنطقتين، الذي كان يسلكه السكان في فترات وقف إطلاق النار ليعود ويغلق حين تعود الاشتباكات، كما يشرح بيضون.

لذلك، ذكرت مسرحيات عديدة لفيليب عقيقي وغيره، في مراحل لاحقة، منطقة السوديكو. فيذكر بيضون عبارة "سوديكو بوم بوم" التي رُدّدت في إحدى المسرحيات. ويروي أن "العديد من أهالي المنطقتين لم يتركوا مساكنهم حتى سنوات الحرب الأخيرة وكانوا يعبرون الممر. وأذكر أستاذاً شهيراً للّغة الفرنسية يدعى وديع الكيك، وقد كان مسيحياً من سكان شارع مونو. كان يجتاز المعبر يومياً ليصل إلى العامليّة حيث يدرّس اللغة الفرنسية، وفي مرة أصيب برجله. كما أن طلاباً كثيرين أصيبوا أثناء اجتيازهم الممر للوصول إلى مدارسهم، ومنهم اثنان من أصدقائي في المدرسة".


قبل الحرب
على الرّغم من وحشيّة الحرب اللبنانية، يعتبر بعض اللبنانيين أن الفترة السابقة على الحرب تفوق الفترة اللاحقة عليها استقراراً وخيراً. ويقول عفيف غدار (77 سنة)، وهو من سكان منطقة رأس النبع، أن "حياتنا قبل الحرب كانت جيدة جداً. فالعمران كان أجمل أما اليوم فهو أشكال ألوان. كما شهدت منطقة رأس النبع قبل الحرب تعايشاً إسلامياً- مسيحياً. أما عندما ترك المسيحيون المنطقة انتزعت لإنو نحن مننزع كل شي".

ويذكر بيضون بعض معالم المنطقة قبل الحرب ومن ضمنها "خط طريق الشام"، الذي كان يشكل حينها خطاً أساسياً لأنه الطريق الوحيد الذي يصل إلى بوليفار كميل شمعون ومن ثم الى كاليري سمعان. كما تميّزت تلك المرحلة بالسكّة الحديد، التي توقفت في العام 1958، وكانت تمر من منطقة السوديكو وتصل إلى ساحة الدباس والبسطة وبشارة الخوري وتلف إلى ساحة رياض الصلح. ويروي بيضون أنه "قبل الحرب عرفت المنطقة رجل بوليس يدعى أبو وجيه، كان يرعب الناس جميعاً ويُنظّم السير وفقاً لخبرته بدون الإلتزام بإشارة السير، وهو أشهر من أن يُعرَّف".


خلال الحرب
كانت الحرب قاسية على السوديكو. وعلى الرّغم من شدّة القنص على هذه المنطقة، لم يترك جميع السكان بيوتهم. أما من كان لديه بديل منهم، فقد "كان يذهب إلى مناطق بعيدة عن خطوط التماس كمنطقة الأوزاعي وتل الزعتر وبرج حمود وغيرها، لأنها مناطق فقيرة ورخيصة"، وفق بيضون. أما من كان مضطراً للعيش على خطوط التماس فكان يعيش بحذر. ويقول بيضون أن "طريق الشام كان خالياً، اذ انه شارع عريض ولم يكن فيه كثافة سكانية، وكان محاطاً بالمقابر التي ما زال الكثير منها موجوداً الى اليوم. أما السكان فكانوا يقيمون خلف المقابر وفي منطقة رأس النبع. وكان طريق الشام ممراً يُحافظ عليه الجيش اللبناني لأنه منطقة إدارية تتمركز فيها وزارة الصحة، مخابرات الجيش والمستشفى العسكري". ويذكر بيضون أنه "في العام 1986 كان في شارع المعرض امرأتان ايطاليتان مسنتان، واحدة اسمها فاندا والأخرى رندا، تعيشان في بيتهما على الرغم من وجود هذا الخط المُميت".


بعد الحرب
ويقول بيضون أنه بعد الحرب ظهرت العديد من الأبنية الجديدة كـ"مربع السوديكو". لكن الحرب تركت أيضاً أثرها في بعض المباني التي باتت تعد من تراث بيروت كمبنى بركات (بيت بيروت)، الذي سيصبح لاحقاً موقعاً سياحياً مهماً. أما اعادة إعمار المنطقة وازدهارها فقد كانا نتيجة فراغ المنطقة وافتقادها الى الكثافة السكانية ووجود مساحات واسعة وخالية فيها، مما أدى إلى استقطاب السكان والمستثمرين، كأن تتحول بعض البيوت القديمة إلى مقاه.

بيد أن اختلاف أسلوب الحياة لا يعني بالضرورة تغير سكان هذه المنطقة. ويقول محمد القاروط (60 سنة) أن الحرب "خلّفت تراثاً للمنطقة كمبنى بركات الأصفر والمباني المجاورة له، وهي مبانٍ أثرية، حجارتها مشغولة باليد. أما نحن فقد عدنا الى حياتنا القديمة بعد الحرب".

ويقول رستم بيضون (63 سنة) ان "ما اختلف اليوم هو ظهور المطاعم والنوادي الليليّة، خصوصاً في شارع مونو. فقبل الحرب كانت منطقة السوديكو مليئة بمتاجر الثياب، أما بعد انتهاء الحرب فقد زادت المطاعم. لكن نمط الحياة الاجتماعية والإختلاط في المنطقة يعود إلى ما قبل الحرب. أما الأمر الذي أدى إلى هذا الإزدهار والإختلاط، بعد الحرب، فهو اكتشاف الناس أنه ليس لهم سوى بعضهم".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها