السبت 2015/09/19

آخر تحديث: 13:56 (بيروت)

القصور التشريعي: غياب تعريف جرائم المعلوماتية

السبت 2015/09/19
القصور التشريعي: غياب تعريف جرائم المعلوماتية
الجرائم المعلوماتية نوعين: إما على النظام المعلوماتي أو بواسطته(getty)
increase حجم الخط decrease

يفتقد التشريع اللبناني لوجود قانون خاص بالجرائم الإلكترونية ضمنه. بإستثناء مشروع قانون المعاملات الإلكترونية وحماية البيانات ذات الطابع الشخصي، وهو لا يزال قيد النقاش في اللجان البرلمانية. بالتالي فإن أي جريمة يدخل النظام المعلوماتي يشكل النظام المعلوماتي عنصراً من عناصرها أو يدخل في تنفيذها، يطبق عليه قانون العقوبات العادي على سبيل القياس. كأن تطبق جريمة السرقة العادية مثلاً على سرقة حساب مصرفي من خلال خرق النظام المعلوماتي الخاص به. والأمر نفسه يتم بالنسبة لجرائم القدح والذم وغيرها من حلات تخطي حدود حرية التعبير.

يميز رئيس لجنة المعلوماتية والتكنولوجيا الحديثة في نقابة المحامين، المحامي شربل قارح في حديث مع "المدن" بين "نوعين من الجرائم الإلكترونية". فهي إما تكون "مقترفة على النظام المعلوماتي"، وإما "بواسطة النظام المعلوماتي". في الحالة الأولى "تهدف الى هدم النظام  أو العبث به او تخريبه او الحصول على معلومات منه". أما في الحالة الثانية فالمقصود هي "الجرائم المعروفة والتي يستخدم فيها النظام المعلوماتي لإقتراف جرائم معروفة". وهنا "تندرج حرية التعبير وتخطي حدودها في هذا الإطار عندما يتم من خلال النظام المعلوماتي".

التعريف الذي يقدمه قارح للجريمة المعلوماتية والتي يمكن ان تكون جريمة رأي أو "جريمة مدنية" بتعبير آخر، لا ينطوي على مضاعفة حجم الفعل واهميته لمجرد ارتكابه في الفضاء الإلكتروني. فإحترام حرية التعبير مسألة أساسية، وهي تستوجب بكل الأحوال إخراجها من الإطار الجزائي. فـ"لا حاجة لتوقيف شخص والتحقيق معه على خلفية قدح وذم" يقول قارح. بالتالي الجريمة الإلكترونية التي تحصل بواسطة النظام الإلكتروني، لا تكون بالضرورة ذات طابع جزائي. بالمقابل، يجد قارح أن التشريع اللبناني بإفتقاره للنص المتخصص في  مجال الجريمة الإلكترونية يبقى قاصراً عن المعاقبة الفعلية للأشخاص الذين يرتكبون جريمة على النظام المعلوماتي.

وينطلق قارح من فرنسا التي وضعت تشريعها الخاص بجرائم المعلوماتية منذ تسعينات القرن الماضي. وينطوي التشريع على "4 درجات تشديد للعقوبة: الدخول الى النظام المعلوماتي، البقاء في النظام المعلوماتي، التعدي على النظام المعلوماتي وسرقة المعلومات منه". أما في لبنان، وفي ظل غياب النص، "يعاقب من يقوم بسرقة حساب مصرفي مثلاً من خلال خرق النظام المعلوماتي على جريمة السرقة فقط، من دون أن يتمكن القاضي من تشديد العقوبة بسبب خرق النظام بحد ذاته"، بسبب غياب النص الذي يبيح هذا التشديد.

ويبدو أن التطور التكنولوجي السريع يلعب دوراً مهماً في فضح مكامن الضعف في قوانين العقوبات، والحاجة الى تطويرها. لا سيما في ظل رفض التشريع الحديث عن مبدأ العقاب الجزائي بسبب تخطي حرية التعبير مثلاً، مقابل توجهه نحو تشديد عقوبات مرتكب جرم من خلال الفضاء الإلكتروني. فيما يستمر قانون العقوبات اللبناني بمعاقبة مرتكب القدح والذم عبر شبكات التواصل بالحبس، ويبقى بالمقابل قاصراً على معاقبة من يخترق هذه الشبكة ويدخل اليها بطرق غير مشروعة.

والقصور التشريعي ينعكس مباشرة على الإجتهاد القضائي، الذي يفلح حيناً ويخطئ حيناً. في إطار تخطي حرية التعبير تحديداً تقع المشكلة. يلفت قارح أن معظم حالات تخطي حرية التعبير عبر مواقع التواصل الإجتماعي هي من  المواطنين العادين، وليس الصحافيين. وفيما "يخضع الصحافي بطبيعة الحال لقوانين الصحافة، لا يفترض ان يخضع المواطن العادي لها". ما يحصل على أرض الواقع في لبنان، أنه يتم إخضاع أي شخص تخطى حرية التعبير عبر مواقع التواصل الإجتماعي لقانون المطبوعات. ومحكمة المطبوعات بحد ذاتها تنطوي على مخالفة حقوقية، ما يستدعي بالتالي الحد قدر الإمكان من إختصاصها بدلاً من التوسع به ليطال كل المواطنين. يشرح قارح أن هذه المحكمة "عبارة عن محكمة إستناف جزائية، ويؤدي إحالة مواطن امامها الى خسارته درجة من درجات التقاضي".

المفارقة الإيجابية أن المحكمة المنفردة الجزائية بدأت منذ سنتين بالتوسع بإجتهادها للحد من مقاضاة غير الصحافيين امام محكمة المطبوعات على خلفية تدويناتهم الإلكترونية. يشير قارح الى أن "توجه القاضي المنفرد الجزائي هذا، يمنع إستقرار الإجتهاد في لبنان على أن تكون محكمة المطبوعات مختصة بمحاكمة المدونين، اي أنها تمنع تثبيت هذا المبدأ".

الإستنسابية واللاشرعية

لا تنفصل مشكلة التعامل مع الجرائم الإلكترونية عن حالة متكاملة من تخطي القوانين من جهة، والتعسف بإستخدام السلطات الإستنسابية من جهة أخرى. فمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية يشكل ترجمة مباشرة للامشروعية. وهو أمر يوضحه قارح من خلال شرح كيفية إنشاء الشعب التابعة للأمن الداخلي من خلال مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. بالمقابل كيف تم إنشاء هذه الشعبة بقرار من مدير عام هذه المديرية. " نحن نعتبره مخفراً، أي ضابطة عدلية، وليس شعبة لمكافحة الجرائم المعلوماتية". وللضابطة العدلية "قواعد يجب ان تلتزم بهم عند إستدعاء شخص لأخذ إفادته، وهي أمور لا يلتزم بها المكتب في الكثير من الأحيان". أما عن الإستنسابية، فيذهب الكلام أبعد من حدود إنشاء هذا المكتب، نحو آليات عمل النيابات العامة . فهي "تصل في إستخدامها للسلطة الإستنسابية التي تملكها الى حدود أن تجمع بنفسها دور التتبع والتحقيق والحكم حتى، أي دور الضابطة العدلية والنيابة العامة والمحكمة". وهو ما "شهدناه مثلاً بالنسبة لحجب بعض المواقع الإلكترونية، في حين أن قراراً كهذا يفترض ان تتخذه محكمة".

 

 

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها