الإثنين 2014/10/20

آخر تحديث: 17:56 (بيروت)

توصيات "العدالة الإنتقالية": خطوة أولى في رحلة الألف ميل

الإثنين 2014/10/20
توصيات "العدالة الإنتقالية": خطوة أولى في رحلة الألف ميل
اطلاق توصيات لمواجهة العنف السياسي في لبنان لتحقيق العدالة الإنتقالية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease


"لتنتهي دوامة العنف على لبنان أن يواجه إرث الماضي".. فـ"الحقيقة بلسم والعدالة تشفي". بهاتين العبارتين يختتم فيلم قصير عن "إرث العنف السياسي". وقد عُرض في نهاية المؤتمر الصحافي الذي عقده "المركز الدولي للعدالة الإنتقالية" وإئتلاف من المجتمع المدني بالشراكة مع الإتحاد الأوروبي و"مؤسسة فريدريش إيبرت"، اليوم الإثنين، لإطلاق التوصيات حول "مواجهات إرث العنف السياسي: برنامج للتغيير".

والتوصيات عبارة عن "مجموعة من الإصلاحات السياسية والإجتماعية التي تهدف الى معالجة إنتهاكات حقوق الإنسان الموثقة". هكذا تُعرِّف مديرة مكتب لبنان التابع للمركز كارمن أبو جودة التوصيات التي تم التوصل اليها بعد نقاشات ودراسات مطولة. تكمل أبو جودة أن "التوصيات استندت لمطالب المجتمع المدني منذ إنتهاء الحرب، ومطالب الجمعيات المشاركة والدراسات الحديثة".

"كيف يتكلم الناس عن حروب لبنان؟"، هو عنوان إحدى الدراسات التي ارتكز الى نتائجها في تحديد التوصيات الأكثر ملاءمة بالنسبة للمجتمع اللبناني لتحقيق العدالة الإنتقالية. وتعكس الدراسة التي يستعرضها الباحث في العلوم الإجتماعية نادر أحمد، "تجارب سكان بيروت الكبرى وتطلعاتهم". يوضح أحمد أن الهدف من الدراسة هو تسليط الضوء على التباينات بين أفراد المجتمع واستخدامها للمساهمة في انشاء منصة معرفة للبحوث في العدالة الإنتقالية. "113 مشاركاً في 15 مجموعة" شكلوا العينة الإجتماعية ذات الطابع المتعدد، للبنانيين من مناطق مختلفة في بيروت الكبرى. كما يشار الى أن المشاركين من جيلين مختلفين: جيل الحرب والمولودون خلالها (28- 60 عاماً) وجيل ما بعد الحرب (18- 27 عاماً).

"الحرب لم تنته"، هي النتيجة الأولى التي توصلت اليها الدراسة. فهذا "الشعور كان مشتركاً بين المشاركين من جميع الفئات العمرية". غير أن التكلم عن الحرب يختلف فيما بينهم... ذلك أن "نقاشات الأكبر سناً اتسمت بروايات حول التكيُّف وبقاء مشاعر الخوف حتى الوقت الحاضر". أما الشباب المولودون خلال فترة الحرب الأهلية، فيعانون من ترسبات "سنوات تكوينهم التي هيمن عليها الإرتباك وعدم الإستقرار وإنعدام الأمن". بالنسبة للذين ولدوا بعد 1990 فقد "ورثوا ذاكرتهم عن الحرب، في المقام الأول، من الآباء وغيرهم من أفراد الأسرة والجيران". يتوافق هذا الواقع، أي بالنسبة للأصغر سناً، مع حقيقة "عدم توثيق فترة الحرب الأهلية في كتب التاريخ المدرسية". بالإضافة الى التوجه، في العديد من الحالات، الى "نهي الشباب عن الإنخراط في نقاشات حول هذا الموضوع في البيئة المدرسية".

من ناحية أخرى، تظهر الدراسة وجود حاجزين في مسألة "مواجهة الماضي والتعامل مع الحاضر". يشرح أحمد أن أحدهما "حقيقي، يكمن في هشاشة الأمن الذاتي والعائلي على مستوى الفرد، والقابلية للإنزلاق الى حرب جديدة على مستوى الوطن". أما الحاجز الآخر وهو "وهمي، فيرتبط بالمحسوبية والإدارة الزبائنية والتهميش والفساد الإقتصادي". ذلك أن "المحسوبيات تعتبر سبب النزاع ونتيجته". أما عن وجهات النظر حول العدالة والمحاسبة، فقد "أثار المشاركون، بشكل أساسي، مفهوم المساواة القانونية التي تتحدى التمييز القائم على أساس الطائفية". في السياق عينه أعرب المشاركون الأكبر سناً الذين اختبروا أعمال العنف مباشرةً عن "أهمية الاعتراف بأخطاء الماضي".

إن مجمل ما توصلت إليه هذه الدراسة "يطرح تحديات لصانعي السياسات ومهنيي العدالة الإنتقالية"، أولها الإنطباع شبه العام، حول إستمرارية الحرب ومدى جدوى الحديث عن العدالة الإنتقالية في ظل إستمرار العنف. أما عن النتائج فتشير بشكل أساسي الى أنه "من أجل أن تكون مبادرات العدالة الإنتقالية فعّالة يجب الأخذ بعين الإعتبار تجارب السكان المحليين الثقافية وخصائصها أولاً"، ذلك أن عدم الإرتكاز اليها قد يؤدي الى "تعزيز سياسة التهميش التي يعاني منها المجتمع".

وبناءاً على ما توصلت اليه هذه الدراسة وغيرها، تم التوصل الى مجموعة من التوصيات في إطار عناوين عريضة ترتبط بتحقيق العدالة الإنتقالية في أي مجتمع. هذه العناوين هي: الحقيقة والذاكرة، جبر الضرر، العدالة الجنائية والمحاسبة. في هذا الإطار تشارك كل من مديرة البرامج في "المركز اللبناني للتربية المدنية" لمى العوض ومدير مركز حقوق الإنسان في جامعة بيروت العربية عمر حوري، في شرح التوصيات تفصيلاً.

"إيضاح مصير الأشخاص المفقودين والمخفيين قسراً، وإقرار مقترح قانون الأشخاص المفقودين والمخفيين قسراً"، هما أولى التوصيات التي تشرحها العوض في إطار "الحقيقة والذاكرة". في الإطار عينه يبقى من الواجب "الكشف عن مصير المواطنين اللبنانيين في السجون السورية وسواها من البلاد الأجنبية"، بالإضافة إلى "المصادقة على الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري"، ذلك أن لبنان قد وقعها منذ العام 2007، من دون أن يقترن التوقيع بالمصادقة حتى الآن. ويوصي الإئتلاف، في إطار البحث عن الحقيقة، بالقيام بالعديد من التدابير من بينها: "إنشاء لجنة مستقلة للبحث عن الحقيقة وتعزيز التفكير المتوازن بشأن ماضي لبنان من خلال التعليم". وآخر التوصيات يتعلق بتخليد الذكرى، عبر "إقامة نصب تذكاري وطني وإعادة تسمية الأماكن العامة خاصة تلك التي تحمل أسماء سياسيين أو عسكريين تورطوا بالنزاعات، بالإضافة الى إقامة النصب التذكارية المحلية".

تنتقل العوض الى جبر الضرر، أو "تلبية حاجات ضحايا العنف السياسي"، وهي توصيات تتعلق بالتعويض على ضحايا الحرب. والضحايا الذين أوصى الإئتلاف بالتعويض عليهم بشكل رئيسي هم: العائلات، ضحايا الإعتقال التعسفي والتعذيب المطول، النازحون والمعوقون. ويقتضي التعويض على الفئة الأخيرة، تنفيذ القانون 220 المتعلق بالهيئة الوطنية لشؤون المعوقين، والمصادقة على إتفاقية حقوق المعوقين الموقعة منذ العام 2007 أيضاً.

وعن العدالة الجنائية والمحاسبة، يعرض حوري مجموعة من التوصيات التي ترتبط بالمؤسسات العامة والجسم القضائي، وهي تبدأ بـ"تعزيز الإطار القانوني للعدالة الجنائية والمحاسبة، والتوقيع على إتفاقية روما الخاصة بمحكمة الجنايات الدولية، بالإضافة الى دمج أحكام الإتفاقيات الدولية في إطار العمل القانوني المحلي". كما يقتضي الإصلاح الجنائي تعديل الدستور لناحية منح قوانين العفو العام والعفو الخاص، وذلك بعدم السماح لإعطاء أي عفو في حالات الجرائم الأكثر خطورة. أما عن الإصلاح المؤسساتي، ولناحية القضاء، يوصي الإئتلاف بضرورة تعزيز استقلالية السلطة القضائية وفاعليتها بالإضافة الى إصلاح المحاكم الإستثنائية بالأخص العسكرية، من خلال حصر اختصاصها بالشؤون التأديبية للعسكر. كما تنطوي التوصيات على ضرورة إصلاح المؤسسات الأمنية وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني فقط، ما يقتضي سحبه من جميع الميليشيات. وأخيراً تختتم التوصيات بالدعوة إلى حوار وطني حول الإصلاح السياسي.

وفي حديث مع "المدن"، يوضح عضو مجلس إدارة جمعية "ألف من أجل حقوق الإنسان" ايلي الهندي أن "ما تم التوصل اليه هو ترجمة المبادئ الدولية للإنتقال من حالة الحرب الى حالة السلم". يقول الهندي أن الائتلاف "يكون بذلك قد وضع خطة عمل شاملة حيث يعتبر العمل قد بدأ.. غير أن النتائج قد لا تظهر في المدى المنظور". يكمل أن "الجهد الآن يكون بقيام كل جهة بالعمل على الجزء المعنية به وتطبيقه". وفي هذا يسعى الائتلاف الى "إنشاء أكبر تحالف ممكن في المجتمع المدني للعمل على تطبيق هذه المسائل".

في الإطار عينه تعتبر أبو جودة أنه "بغض النظر عن الإرادة السياسية يمكن الضغط لبدء العمل بإتجاه تحقيق العدالة الإنتقالية. وبالرغم من شكل النظام السياسي غير المساعد، يبقى المجال باقناع السلطات بتبني الإصلاحات في سياساتها، قائماً".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها