الإثنين 2014/06/02

آخر تحديث: 12:23 (بيروت)

حديقة الصنائع تتغنى لزوارها

الإثنين 2014/06/02
حديقة الصنائع تتغنى لزوارها
increase حجم الخط decrease
تغيرت حديقة الصنائع كثيراً. وأول هذه التغيرات كانت في الإسم. صارت، بعد إعادة إفتتاحها أمس السبت، حديقة الرئيس رينيه معوض، الذي أغتيل في مكان قريب منها. وهو ما يحرك إلتباساً أولاً في إعادة وصل ما إنقطع، في سنة تقريباً، بينها وبين الناس. تقريباً، لا أحد سيتبنى التسمية الجديدة. وهذا ما بدا واضحاً في خطب الإفتتاح الرسمي أمس. إذ أجبر بعض المتكلمين، مراراً، على إستدراك التسمية الجديدة، بعد نطق اسمها الشائع. لن يزيد تغير الإسم شيئاً، في الغالب. لكنه، في حد أدنى، يطال ألفة المكان، الذي بدا، دائماً في سنوات سابقة، نسبة لمرتاديه وشاغليه، كأنه في غير مكانه. اذ أن إنحسار جمالية الحديقة، في مرحلتها السابقة، وتفلت زوارها من كل ضابط لم يكن يربطها، بما يشرف عليها من واجهات بنايات حديثة، وصعود المنطقة بمقاييس الاستثمار العقاري ضمن الحيز نفسه، أي رابط. 

والحال أن الحديقة، في تغيرها، كأنها تلتزم بالمكان الذي يحيط بها أكثر مِن إلتزامها بهوية مرتاديها. وهذا إلتباس ثان. إذ أن الحشد، الذي حضر أمس في الافتتاح الرسمي، ليس نفسه الذي كان يزور الحديقة في يومياته. وهذا ما يمكن قياسه بمسح بصري. ويركن أساساً إلى فروقات اجتماعية. وليس بلا معنى أن يكون الاحتفاء الأول بإعادة التأهيل مقتصراً على نخب معينة، حذر وزير البيئة محمد المشنوق، أمس، من أن ينحصر الإنتفاع من الحديقة بهم. وهذه مسائل طقسية ورمزية، برغم أنها مؤقتة. إذ أن الحديقة فتحت اليوم للجميع، واستعادت مرتاديها السابقين. لكن زنار الواقفين، أمس، والقلائل ربما، على سور الحديقة لا يمكن تجاهله. وهو ما يثبته طلب أحد عناصر شرطة البلدية من سيدة أن تعود غداً، أي اليوم، لتدخل.

اليوم الأول

فتحت الحديقة أبوابها، الاحد، عند العاشرة صباحاً. وهو يوم احتفالي أيضاً، لكنه مخصص للعموم. عند العاشرة والنصف، كانت الحديقة، بما فيها من زوايا ونشاطات، تعمل بكل طاقتها. "رائعة"، أو "جميلة جداً". هذه تعبيرات بعض الموجودين عند سؤالهم عن هندستها الجديدة. وهذا ما لا يمكن نفيه، مقارنة مع حالتها السابقة. "بتجنن" يقول عبد الرحمن جرو، الذي يرافقه إبنه. "ما في نسبة. كنا من قبل نجيء ونذهب سريعاً. الآن تنشرح روحك بهذه المناظر". وهو الساكن في الروشة كانت زيارته أسبوعية إلى الحديقة. "أضيع الوقت، وألتقي أصدقاء أو أتمشى مع إبني إذا كان معطلاً".
يجيء جمال دوغان، منذ صغره، إلى الحديقة. "شيء جميل جداً. لكنها كانت غير"، يقول منتقداً إنحسار المساحة الخضراء الفارغة بسبب زيادة ممرات أو أنشطة على العشب. وهذا ما ناقضته، في كلمتها أمس، المهندسة المشرفة زينة مجدلاني. إذ "عملنا على زيادة المساحات الخضراء على حساب الممرات، وتقسيم أجزاء الحديقة بحسب الفئات والأعمار وخاصة عند الأطفال". على أن دوغان يعكس أفكاراً ترى في الحديقة، وكما كانت سابقاً، مجالاً مفتوحاً لكل شيء، من دون تخصص. وانحسار المساحات هذا لا يفي بطموحات إبنه الفتى، ذي العشر سنوات. "لكن مع ذلك الناس في حاجة إلى مساحة كهذه كيفما كانت". لا مكان للفوتبول، مثلاً. وهي الرياضة الشائعة في زمن الحديقة السابق. والولد، الذي يسأل الموظف إذا كان الفوتبول مسموحاً، واشياً بأحد رفاقه، لا يلقى إلا جواباً مقتضباً بإمكانية اللعب على الزفت فحسب. والمساحة المزفتة، وهي مخصصة أساساً للدراجات الهوائية، لا تؤمن لهم مدى كافياً لأقدامهم، في كل الأحوال.

افتراق في الرؤية

وهذا التضييق، على ميول سابقة، تعززه لوحة تعليمات وممنوعات عشر تستقبل القادمين عند مدخل الحديقة الوحيد. يبقى أصعبها، ربما، منع التدخين. وهذا ما كان يدفع موظفي الحديقة، وهم فريق كامل ومنظم، للتنقل من جهة إلى أخرى، وتحذير المدخنين
وقمعهم. والحديقة ليست صديقة للحيوانات، ولا للكحول، أو حفلات الشواء. لكن يبدو أن مرتادي الحديقة في يومها الأول لم يعانوا من مشكلة الأكل. ومشهد الأكياس المحملة بالمناقيش أو الدوناتس كان أليفاً اليوم. وتمكن محبو الفول، في يوم الأحد، من الاستفادة أيضاً من العشب أو الطاولات، وكراسيها، الموجودة في إحدى جهات الحديقة. وهذا ما استغله أيضاً محبو لعب الورق والطاولة. عصام واحد منهم. وهو يقول أنه تربى في هذه الحديقة. ويتذكر، أنهم من زمان، كانوا يتجمعون ليلعبوا الغلة ببزور المشمش. "وكنا ننظم أنفسنا في فرق فوتبول. لكن كل هذه النشاطات كانت إرتجالية. ليست كما الآن". وهو يصر أن يصف الحديقة، في حالتها هذه، بأنها "أحلى حديقة في الشرق الأوسط كله".
تستنكر سيدة من آل حطاب، كما فضلت التعريف عن نفسها، السؤال حول إذا كانت تزور الحديقة من قبل. "نحن من بيروت"، تقول. وفي هذه الحديقة "يأخذ الصغير والكبير راحته. النظام والنظافة الموجودان الآن جميلان. أتمنى أن تبقى هكذا". وهذا ما لا يمكن التأكد منه سريعاً. لكن يمكن ملاحظة طاولات أو كراس تنتقل من مكانها إلى أماكن أخرى، بمبادرات ذاتية. ولا يبدو أن الجميع ملتزم بعدم رمي النفايات إلا في الأماكن المخصصة. لكن الهادي مجاهد، وهو ليبي الجنسية يعيش في لبنان، يطرح ملاحظتين. "نحن لا نحترم شيئاً من دون ضوابط. يجب وضع سياج لحماية العشب من العبور فوقه. كما أن الألعاب الخاصة بالأطفال لا يحميها سقف من الأمطار، لاحقاً، ومن الشمس أيضاً".

حديقة للصور

جهزت الحديقة لتكون مكاناً للصور. أقله، اليوم، في يوم الافتتاح. في كل لحظة هناك مَن يتصور، أو يطلب من غيره تصويره. تمسك السيدة غصن شجرة وتتصور. أو تقف العائلة على حفة البركة المائية الكبيرة. يسهل الأمر كادرات، بفريق عمل مخصص، مستعد للمساعدة. يقف الشاب خلف الكادر، الملفوف بالعشب، وتصوره الصبية التي تلبس كنزة بيضاء، بشعارات بيئية، مثل اليافطات المنتشرة في كل مكان من الحديقة. ونشر الوعي البيئي هو أحد أهداف مؤسسة "أزاديا"، المتعاونة مع بلدية بيروت في إعادة تأهيل الحديقة، كما أشار رئيسها مروان مكرزل، أمس السبت. وصارت الحديقة مجهزة لإستقبال حفلات موسيقية ومعارض في أماكن مخصصة داخلها. وهذا ما بدأ تطبيقه منذ الأمس واستمر اليوم.

فرمان السلطان العثماني

أصدر السلطان عبد الحميد الثاني، في العام 1906، فرماناً بإنشاء مكتب الصنائع والتجارة الحميدي (مبنى وزارة الداخلية والمكتبة الوطنية حالياً)، وذلك بحسب كتيّب يشرح تاريخ الحديقة وزع أثناء الإفتتاح. في العام الذي تلاه، تم تدشين حديقة الصنائع بحضور والي بيروت خليل باشا ورئيس بلدية بيروت والعلماء والأعيان والقناصل. وأنشئت الحديقة، التي تعتبر الأكبر في مدينة بيروت، على مساحة من الأراضي الخاصة والأوقاف الذرية والأهلية وقدرت بحوالي 22.000 متر مربع، قدمت من آل طبارة وطيارة والحص وسيّور وعائلات أخرى. لكنها ليست الوحيدة التي تعمل بلدية بيروت على إعادة تأهيلها. ومن ضمن هذه الحدائق "مار نقولا" في الأشرفية التي ستفتح الخميس المقبل، كما أشار رئيس البلدية بلال حمد، "تأكيداً على عمل المجلس في سبيل تحقيق إستراتيجية تنموية على عدة مستويات وخاصة عبر زيادة المساحات الخضراء".

increase حجم الخط decrease