الأحد 2015/10/04

آخر تحديث: 09:21 (بيروت)

"التيكوتاك": مخالفة ساهمت في هدر المال العام

الأحد 2015/10/04
"التيكوتاك": مخالفة ساهمت في هدر المال العام
تعكس مخالفة التيكوتاك تخلي مجلس النواب عن دوره في مراقبة الوزراء ومحاسبتهم (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease

"إلحاق ضرر أكيد بالأموال العمومية، وتفويت إيرادات مستحقة على الدولة بلغت قيمتها نحو 4 مليارات و905 ملايين و46 ألف و300 ليرة لبنانية" هي التهمة التي وجهها ديوان المحاسبة في قراره القضائي رقم 73/ر.ق، في قضية "التيكو- تاك"، والصادر بتاريخ 12 آب 2010، لكل من وزير المال الأسبق ومستشاره وقتها، بسام تميم. بالإضافة الى مدير اليانصيب السابق ريمون حدّاد، والمحتسب المركزي السابق لليانصيب الوطني أحمد جابر، وعضو لجنة الرقابة على الـ "تيكوتاك" السابق حسن زهري، والموظّف/الحاجب طلعت قانصو. وقد حمل الديوان في قراره المسؤولية المباشرة لوزير المالية الأسبق وقتها، فؤاد السنيورة المسؤولية المباشرة عن هذا الهدر للمال العام.


ما هي مخالفة "التيكو – تاك"؟ ما هو الدور الذي لعبه ديوان المحاسبة في كشف الفساد المالي وملاحقته؟ كيف تتدخل السلطات لتمنع تنفيذ الأحكام القضائية وتغطية هدر المال العام؟ هل تعكس هذه القضية مشكلة في القوانين نفسها أم في تعاون السلطات على هدم دولة القانون؟

 

عام 1996، ضبطت مديرية الجمارك قيام "الشركة اللبنانية للإستثمار"، المتعهدة بإدارة واستثمار اليانصيب الفوري (تيكو تاك) بعملية تهريب لكميات مزوّرة ومهرّبة من بطاقات الـ"تيكوتاك". أي أن الشركة المذكورة  عمدت الى بيع كمية من بطاقات التيكوتاك، تزيد عن تلك المرخص بها، من دون التصرح عنها، الأمر الذي يعتبر مراكمة لأرباح غير مشروعة على حساب الخزينة العامة.


حررت إدارة الجمارك ضبطاً بقيمة البطاقات المهربة، وطلبت من "الشركة اللبنانية للإستثمار" تسديدها. لكن الأخيرة إستطاعات أن تتهرب من التسديد، بسبب تسوية غير قانونية  تمكنت من إتمامها مع وزارة المالية، برعاية السنيورة  ومستشاره، وسددت بموجبها فقط مليار و110 ملايين و408 الاف و200 ليرة. بينما تبلغ القيمة الواجب تسديدها 6 مليارات و408 آلاف و500 ليرة.  


لم تخرج هذه القضية من أدراج هيئة التفتيش المركزي حتى 24/1/2005. وقد بينت التحقيقات أن هذه المخالفات قد تكون بدأت عام 1992 واستمرت حتى لحظة اكتشافها عام 1996.


عام 2009 أصدر ديوان المحاسبة قراره رقم رقم 34/ر.ق وأشار فيه إلى وجود مخالفات مالية في مديرية اليانصيب الوطني. وحمل القرار من سبق ذكر أسمائهم سابقاً، كل من منصبه، المسؤولية عن الهدر الحاصل من أموالهم الخاصة. وقد أكد الديوان مضمون قراره في القرار النهائي الصادر في 27 تموز 2011 تحت رقم 65/ر.ق.


النتيجة العامة للقرارات الثلاثة الصادرة عام 2009، 2010 و2011 كانت تحميل السنيورة المسؤولية المباشرة عن التسوية التي عقدها مستشاره بسام تميم. وقضى الديوان بتغريم كل من أحمد جابر وحسن زهري و بسام تميم سنداً لأحكام المادة 60 و 61 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة. بالمقابل تمت تبرأة كل من ريمون حداد وميشال ضعون وأعضاء لجنة الرقابة لأسباب أوضحها التحقيق.

إذاً تحمل جميع الموظفين مسؤولية الهدر الذي شاركوا فيه، بينما بقي السنيورة على الرغم من إعتبار الديوان أنه المسؤول المباشر عن هدر المال العام، خارج دائرة المحاسبة. من جهته  قام الديوان بمسؤولياته لناحية إحاطة مجلس النواب علماً بمخالفة "الوزير السابق والنائب الحالي" وقتها. وهو إجراء ضروري لرفع الحصانة عن السنيورة لكي يتمكن الديوان من إستدعائه للمثول أمام المحكمة. غير أن مجلس النواب لم يحرك ساكناً، وأبقى السنيورة خارج إطار المحاسبة. 

 
وهكذا يكون مجلس النواب، قد تخلى عن صلاحياته لناحية مساءلة الوزراء ومحاسبتهم وحماية المال العام. وهي صلاحيات منحه إياها الدستور لضمان قيام كل سلطة بمراقبة السلطة الأخرى، ما يؤدي الى منع وقوع الفساد. والدستور اللبناني يكفل مبدأ الفصل بين السلطات، لا سيما الإجرائية والتشريعية، ويعطي كل سلطة أدوات منهما أدوات الرقابة على الأخرى.  غير أن واقع النظام لا يترك لهذه الرقابة مكاناً.  ذلك أن الأكثرية النيابية هي نفسها التي تنتج الحكومة فتكون تابعة لها. فتصبح كل سلطة تابعة للأخرى، غير منفصلة عنها نظرياً. والواقع أن هذا السبب لا يعتبر كافياً لتبرير إنعدام الرقابة. بل هو أبعد من ذلك. فلو كانت الأحزاب تستشعر إمكانية محاسبتها من خلال الإقتراع العام، للجأت مباشرةً الى التبرؤ من كل فاسد ينتمي لها. غير أن المشكلة تتعلق بشكل أساسي بالأنظمة الإنتخابية التي تضمن إعادة إنتاج السلطة نفسها.


بالنتيجة المشكلة ليست في قوانين الرقابة والمحاسبة نفسها. ولم تكن في هذه القضية مشكلة تقصير قضائي. بل تتبلور فيها أزمة نظام قانوني/ إنتخابي يؤدي الى ترك المسؤول فوق القانون وليس تحته.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها