المبدأ الذي تقوم عليه هذه المنح، من خلال مراجعة الأرقام، تشجيع الموظف العمومي على التعليم في القطاع الخاص، نظراً للتفاوت الكبير في قيمة المنح بين التعليم الرسمي والخاص. ربما من المنطقي أن تكون هذه السياسة معتمدة في القطاع الخاص لتشجيع الموظفين فيه على دعم المدارس الخاصة. لكن بما يتعلق بالقطاع العام فيفترض أقله أن تكون المنح إما مخصصة للتعليم الرسمي أو أقله عادلة بين القطاعين الخاص والرسمي. لكنها قائمة على تفاوت كبير لصالح التعليم الخاص.
العودة إلى السياسات السابقة
تضخمُ مبالغ هذه المنح يعتبر بمثابة عودة صريحة إلى اعتماد السياسات الخاطئة التي أدت إلى ضرب التعليم الرسمي. والملفت في رفع قيمة المنح ليس اعتماد سياسات تقوم على تمويل القطاع التربوي الخاص بأموال عمومية فحسب، بل العودة إلى السياسات المالية والاقتصادية والتربوية التي سبقت الأزمة الاقتصادية، والتي ما زال يعاني لبنان منها حتى اليوم. فلطالما كانت سياسة المنح المدرسية عاملاً مساهماً في تعزيز التعليم الخاص على حساب التعليم الرسمي، التي أفضت إلى أن نسبة الطلاب في التعليم الخاص تتجاوز السبعين بالمئة من مجمل الطلاب في لبنان.
غني عن البيان أن المنح المدرسية تشجع الموظف على اختيار مدرسة تكون أقساطها توازي أو تزيد قيمتها عن المنحة المحددة له، للاستفادة من كل المنحة. لكن المستغرب أن يعتمد القطاع العام سياسات غير عادلة، لا بل على حساب المدرسة التي هو وصي عليها، ويشجع الموظف على دعم المدرسة الخاصة. والنتيجة أنه حتى الأساتذة، في مختلف المراحل التعليمية، ينبذون المدرسة الرسمية التي يعلمون فيها، ويفضلون عليها المدارس الخاصة لتعليم أبنائهم.
تضخم الهيئة التعليمية
حيال هذه السياسات المالية والتربوية، يصبح السؤال عن هدر المال العام أساسياً: ما الحاجة في هذه الحالة إلى هذا الكم الرهيب من الأساتذة في التعليم الرسمي، طالما أن مدارسه لا تضم أكثر من ثلاثين بالمئة من الطلاب؟ فحالياً يوجد ما يزيد عن 45 ألف أستاذ (بين ملاك وتعاقد ومستعان بهم) في القطاع العام لتعليم نحو 300 ألف طالب، فيما في القطاع الخاص، الذي يزيد عدد الطلاب فيه عن 700 ألف طالب، تصل الهيئة التعليمية فيه إلى نحو 53 ألف أستاذ، بمن فيه التعليم الخاص المجاني.
والسؤال الملحّ أيضاً: هل المدرسة الرسمية هي إدارة للتوظيف والزبائنية فقط، فيما التعليم هو في القطاع الخاص؟ حري في هذه الحالة وفي ظل هذه السياسات التربوية، تقليص القطاع العام وتخفيف الهدر، طالما أن لا رغبة بدعم التعليم الرسمي كي يصبح أساسياً في لبنان. فلو كان هناك رغبة بدعم التعليم الرسمي لكانت المنح العمومية تخصص له، واستطراداً للتعليم الخاص المجاني حصراً.
وبعيداً من أن سياسة المنح تؤدي إلى ضرب التعليم الرسمي، فهي تشجيع واضح وصريح للمدارس الخاصة غير المجانية لرفع أقساطها على حساب جميع اللبنانيين. فمن المعروف أن أبناء الموظفين في القطاع العام يشكلون نحو 40 بالمئة من طلاب المدارس الخاصة (غالبيتهم في التعليم غير المجاني)، ورفع قيمة المنح لهم، كي توازي قيمة الأقساط الحالية في غالبية المدارس الخاصة، يفسح المجال للأخيرة لرفع الأقساط مجدداً. فهي تخطط لتعود قيمة الأقساط إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، من دون أي أسس واقعية وقانونية لكيفية تحديد القسط المدرسي.
سبق وضربت المدارس الخاصة القانون 515 المتعلق بالموازنة المدرسية عرض الحائط، ولم يتحرك أي مسؤول في الدولة لوقفها عند حد الالتزام بالقوانين المرعية الإجراء. ويعاني أهالي الطلاب من عدم وجود شفافية ولا رقابة على الموازنات المدرسية، التي يصرّح عنها في مصلحة التعليم الخاص بوزارة التربية. وهنا مرة جديد تكون الدولة قد عادت إلى تمويل فساد القطاع الخاص من المال العام، وأباحت لأصحاب المدارس تكديس الأرباح من عموم اللبنانيين، بلا رقيب ولا حسيب.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها