السبت 2017/09/30

آخر تحديث: 07:18 (بيروت)

نصف مليون تحترق الأرض تحت أقدامهم

السبت 2017/09/30
نصف مليون تحترق الأرض تحت أقدامهم
يعيش سكان المنطقة على ما يشبه منقلة عملاقة (Getty)
increase حجم الخط decrease

في منطقة "جهاريا"، في شمال شرق الهند، ليست الجنة تحت أقدام الأمهات البائسات، إنما شيء من الجحيم. والأرض الحارقة نفسها تحت أقدام أزواجهن وأبنائهن وأخوتهن وآبائهن. فلأسباب جيولوجية، يزداد جوف المنطقة سخونة منذ زهاء قرن، ويحترق باستمرار في مواضع متناثرة هنا وهناك على مساحات شاسعة.

يعود ذلك الارتفاع المطرد في درجة حرارة أرضية المنطقة، والطبقات السطحية من جوفها، إلى استخراج الفحم بشكل محموم منذ أكثر من قرن. ما أدى إلى ظواهر جيولوجية تمخض عنها تخلخل التوازن الفيزيائي، ووصول كميات أكسجين عالية إلى الأجزاء المكشوفة. وذلك ما أفضى إلى تزايد سخونة الأرض بحيث وصلت إلى درجة الاتقاد في المواضع المختلِطة فيها بقايا الفحم بالتربة. والظاهرة ليست استثنائية، إنما توجد في أماكن أخرى من العالم. لكن، تعمد شركات التعدين إلى طمر البقع المكشوفة بالرمل لكفاء شرها، بينما تتقاعس عن ذلك الشركة الهندية المستثمرة، لتقليص النفقات.

تنبعث من أرضية الموقع حُمم نيران تبدو كأنها "برك" نارية أو بقايا بركان. لكن، ليس في المنطقة أي بركان: إنه منجم عملاق لامتناهٍ مفتوح على السماء، يعدّ أكبر منجم فحم في الهند وأحد أكبر المناجم المكشوفة في العالم. لذلك، أطلق عليه اسم "حقل الفحم" لكونه يشبه حقلاً مكشوفاً، يعيش منه مئات آلاف البائسين بكشط تربة تزداد سخونة عاماً إثر عام. يحملون المعاول من الصباح إلى المساء من أجل حفنة من الروبيات. في أماكن أخرى، تتصاعد غازات سامة لا تقل خطراً عن المواضع الملتهبة.

هكذا، يعيش سكان المنطقة على ما يشبه منقلة عملاقة. ثمة ناسكون هنود، يدعى كل منهم "فقير fakir"، نراهم يتمددون على "أسِرَّة" من مسامير ناتئة أو يمشون على النار من دون إحساس بالألم. أما سكان "جهاريا"، فيسيرون على منقلة جمر طبيعية مرغمين مكرهين. فاستخراج الفحم مصدر الرزق الوحيد لتلك الجموع من البائسين، الذين يأتي بعضهم من مناطق أخرى من الهند، وحتى من بنغلاديش القريبة. فـ"جهاريا Jharia" تقع في ولاية "جهارخاند" الفدرالية، المتاخمة للحدود البنغلادشية. و"ثروة" الحاضرة الوحيدة تنحصر في منجم الفحم ذلك، الذي يؤمن فرص عمل لعشرات آلاف البؤساء من سكانها، ومئات الآلاف من سكان المنطقة، بمن فيهم أطفال لا تتجاوز أعمار بعضهم الـ5 سنوات، وفي الوقت نفسه، رجال ونساء في الـ60.

أما الأجر، فلا يتعدى الدولار ونصف الدولار لنهار عمل بأكمله، هذا للرجال البالغين، وأقل من ذلك للنساء والأطفال والمسنين. فالأجر وقف على كمية الفحم التي يستخرجها كل فرد، أو كل عائلة، إذ لا يندر أن تعمل أسَر بأكملها معاً، من الجد إلى الحفيد. وما ينطبق على سكان "جهاريا"، وهو اسم المنجم والمدينة الواقع فيها، يسري أيضاً على سكان المنطقة كافة، أي نحو نصف مليون شخص، وربما 700 ألف بحسب مصادر أخرى، تهدد النار التحتية منازلهم، التي قد تتهاوى في أي لحظة.

ويتهم نشطاء حماية البيئة شركة بارات لتعدين الفحم، BCCL، مؤكدين أنها "تتغاضى عن الواقع ولا تسعى إلى إيجاد حلول". ويذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك بالقول إنها "تتعمد ترك البقع الملتهبة تمتد وتمتد بغية توسيع مساحة حقل الفحم العملاق المكشوف". ففي رأيهم، يؤدي توسع رقعة المساحات المشتعلة إلى إرغام المنكوبين على ترك منازلهم وهجر ديارهم، وبذلك يتسنى استثمار تلك الأراضي الغنية بالفحم. فاستخراج الفحم من السطح والطبقات العليا أقل كلفة بكثير من استخراجه من الأعماق. ما يستوجب حفر أنفاق واستخدام تقنيات مكلفة، فضلاً عن وفرة الفحم في الطبقات السطحية أكثر بكثير من الجوف.

أما السلطات المركزية فتمارس الضغط، وأحياناً القمع، ضد من يتمرد من السكان أو يسعى إلى تغيير الأوضاع. فالرهان الاقتصادي للفحم هائل في بلد مثل الهند، يحيا نهضة صناعية كبرى، وفي الوقت نفسه يفتقر إلى المحروقات ومصادر الطاقة الأخرى، بينما يظل منجم "جهاريا" الأكبر والأوفر إنتاجاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها