الأحد 2017/06/25

آخر تحديث: 10:15 (بيروت)

اليوغا: "صوروني أنا وعم أعبط الشجرة"

الأحد 2017/06/25
اليوغا: "صوروني أنا وعم أعبط الشجرة"
ترتكز اليوغا على تقديم نفسها كطريق يوصل إلى السعادة (Getty)
increase حجم الخط decrease
شهدت مع أبناء جيلي، منذ عقد من الزمن، وصول اليوغا إلى بيروت، محفزة هجرة متقطعة لعدد من أصدقائنا إلى الهند. لم يكن الاحتكاك مع الوافد الجديد إيجابياً، خصوصاً أنه ترافق مع كم كبير من الكلام المبتذل عن التحرر والتقشف الكاذب، ومئات الصور في فايسبوك و"بليز صورني أنا وعم أعبط الشجرة أو أنا وعم إعمل يوغا عالصخرة".

المشكلة ليست في اليوغا طبعاً، أو ما يمكن تسميته "يوغا إيجابية" لها حيزها الخاص في بيروت اليوم. بل في اليوغا السائدة، التي تعتمد على إيهام الناس بقدرتها على إيصالهم إلى السعادة، ثم تقدم عوضاً عن هذه السعادة جرعات من النشوة و"العافية" الجسدية والنفسية المؤقتة، التي لا تتحقق من دون استكمال شرطها الأساسي، أي استهلاك المنتجات المرتبطة بها، كالأطعمة الصحية والعضوية وحضور مزيد من صفوف اليوغا، وتجربة أنواع جديدة منها.

راجت المنتجات المرتبطة باليوغا، والتي لاتزال أنواعها تتزايد يوماً بعد يوم. فوفق دراسة ليوغا جورنال في العام 2008، تراجع عدد الأشخاص الذين يمارسون اليوغا في الولايات المتحدة بين عامي 2004 و2008 من 16.5 مليون إلى 15.8 مليون، لكن في الوقت نفسه، تزايد الإنفاق على صفوف اليوغا والمنتجات المرتبطة بها، أكثر من الضعف خلال هذه الفترة، من 2.95 مليار دولار إلى 5.7 مليار دولار. وشهد العقد الماضي ظهور عشرات الفروع الجديدة من اليوغا، وربما بعضها غير معروف أصلاً في الهند، وأصبح حجم القطاع في الولايات المتحدة وحدها 27 مليار دولار.

في جولة على صفحات مراكز اليوغا في بيروت، يبدو الوعد بالسعادة هو نفسه. تتكرر في هذه الصفحات الدعوة إلى اكتشاف الذات أو العودة إليها، لإيجاد ما "لم تكن تعرف أنك تبحث عنه" و"ما سيكون سبباً لعافيتك الجسدية والعقلية". "تعال كي تتعلم حب الناس والطبيعة ولتعالج المجتمع من طريق التأمل، والطعام الصحي". اليوغا في هذه المراكز، مثل أي منتج آخر، يتطلب تسويقها خطاباً معيناً، يرتكز على إظهار اليوغا كعلاج أو "دواء يستطيع الوصول إلى السعادة الأبدية" و"أصل كل شيء"، كما كتب أحد المراكز.

طبعاً، اكتشاف الذات يبدو محورياً في هذا الخطاب، وهو من النوع الذي لا يختلف كثيراً عن القصص الهوليوودية التي تخبر عن أشخاص سافروا حول العالم من أجل اكتشاف ذواتهم، وينتهي عادة بحكمة تقول إن عليك أن تؤمن بنفسك. كتبت مدرّسة يوغا لبنانية، تعمل تحت إسم Power Yoga، على صفحتها في فايسبوك، أنها بعد سفرها إلى لندن وتخصصها بالفن والإعلان، اضطرت إلى ترك عملها في كل مرة لأنها لا تحب أجواء المنافسة (لأنها تحب الكمال)، ثم قررت السفر بعيداً والبحث عن النقاط الضائعة في حياتها، حتى اكتشفت اليوغا في لوس آنجلس، التي جعلتها تشعر للمرة الأولى أنها في حالة جيدة. ما حفزها على أالسفر إلى الهند، التي وجدت في ترابها الإنتماء الذي تبحث عنه.

يبدو المنطق ضائعاً في قصة الفتاة، التي تكره المنافسة لكنها تحب أن تكون كاملة. وكل مشكلتها كانت غالباً أنها بحاجة إلى انتماء ما، وأنها لا تعرف ماذا عليها أن تعمل. فوفق أحد مدرسي اليوغا اللبنانيين، الناقمين على اليوغا السائدة اليوم، ما تفعله الأخيرة هو تضخيم النظرة إلى الذات، وتغذية حب الأشخاص لأنفسهم، بعكس اليوغا كمفهوم فلسفي، أحد أهدافها الأساسية محو الذات والتخلص منها، من أجل التوحد مع ذات أكبر.

كما أن يوغا اليوم، تعيش على شتم الحاضر الذي نعيش فيه، وهو وفقها حاضر ملوث، لا يفكر الأشخاص فيه سوى بمصالحهم: نحن نعمل ليلاً نهاراً من أجل بعض المال، لكننا خلال هذا الوقت ننسى العيش وننسى ذواتنا. يوغا اليوم تقدم احتجاجاً على الواقع الفاسد الذي نعيش فيه، ثم تطرح نفسها دواءً أو معقّماً له. لكن شرط وجود هذا الدواء- المعقّم، هو الواقع نفسه، الذي تعيد اليوغا تدويره من خلال خلق النقص الموجود عند الناس، الذين لا يعودون قادرين على تخطيه سوى من طريقهم، ومن طريق استهلاك صفوفهم ومنتجاتهم.. من أجل قليل من المال.

في كل الأحوال، وبما أن الواقع مركب، اليوغا الاستهلاكية اليوم رغم تشويهها الطقس الأصلي الذي لم يكن بحاجة إلى أكثر من بساط وجسد، يسجل لها كثير من الإيجابيات، ومنها التأثير على المطبخ العالمي، وإعادة النظر بالأنماط الغذاية المعتمدة اليوم. كما أن رواجها كرياضة، ممارسة في غاية الأهمية في عالم الهواتف النقالة والكومبيوتر. بالإضافة إلى ذلك، اليوغا (في حال كان المعلم يملك نظرية متماسكة عما يقوم به) استطاعت في كثير من الحالات تقديم حصانة نفسية لممارسيها، في عالم تراجعت فيه الأديان والطقوس الدينية عند فئات واسعة من الناس، خصوصاً أن فلسفتها الأكثر راديكالية، يمكن أن تكون منفتحة على نظريات العلم الحديث العلاجية، وبما أنها تعلن نفسها كعلاج بديل عن الحفر في الماضي الذي يعتمده علم النفس. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها