الإثنين 2017/06/19

آخر تحديث: 10:31 (بيروت)

لبناني قد يخرب نظام الزواج في إيرلندا

الإثنين 2017/06/19
لبناني قد يخرب نظام الزواج في إيرلندا
مُنح الرجل اللبناني الجنسية الإيرلندية في العام 2002 (Bryan O’Brien)
increase حجم الخط decrease
بتّت المحكمة العليا في العاصمة الإيرلندية دبلن، أخيراً، في قضية شائكة تطال موضوع تعدد الزوجات، الحساس جداً في أوروبا في جو التوتر الراهن الناجم عن العمليات الإرهابية. والمعنيون في القضية هم لبناني يحمل الجنسية الإيرلندية منذ العام 2002 وزوجتاه اللبنانيتان، اللتان تحمل إحداهما الجنسية الإيرلندية منذ العام 2006.

خلاصة القول: اعترفت المحكمة العليا في إيرلندا، المؤلفة من سبعة قضاة محنكين، بزواجي الكهل اللبناني كليهما. لكنه، مثلما سنرى، اعتراف ضمني، وليس صريحاً.

فالرجل اللبناني، الذي يبلغ من العمر 64 عاماً، وصل إلى إيرلندا في العام 1998، وطلب حق اللجوء، فناله بعد سنتين، ثم مُنح الجنسية الإيرلندية في العام 2002. لكنه، في "حياته السابقة" في لبنان، كان قد "تأهّل" مرتين، في العامين 1975 و1988، من امرأتين لبنانيتين، أنجبتا له أولاداً كلتاهما، وبمعرفة كل ضُرة بالأخرى وبملء موافقتهما المتبادلة. عليه، برزت معضلة قضائية في بلده الثاني، إيرلندا، دامت سنوات بين طلبات ومرافعات وأحكام واستئناف ونقض. فتعدد الزوجات ممنوع بشكل قطعي في إيرلندا والبلدان الغربية كلها، ولا يعدُّ مخالفة بل جريمة مدنية وفق بعض التشريعات. ما قد "يجرجر" صاحبه في المحاكم ويقوده إلى السجن، فيُحرم لا من الحرية فحسب، إنما من زوجتيه أو زوجاته أيضاً.

في أي حال، في العام 2000، حال حصول الرجل على صفة لاجئ، قدم طلباً باستقدام زوجته الثانية وأولادهما. فكان له ما أراد، وأتت الزوجة الصغرى مع ذريتها في السنة التالية، 2001، واستقر الجميع في إيرلندا، وعاشوا عيشة سعيدة. بدأت المشكلة بعد حيازته الجنسية. إذ تقدم بطلب جديد، في هذه المرة لاستقدام زوجته الأولى مع أولادهما، تطبيقاً لمبدأ "لمّ الشمل العائلي" المأخوذ به في معظم بلدان أوروبا الغربية.

طبعاً، رفضت وزارة العدل طلبه استجلاب زوجته الأولى (الأولى ترتيباً، التالية قدوماً)، على أساس أن من المفترض أنه، كغيره من مواطني إيرلندا، لم يتزوج إلا واحدة، طبقاً للقانون. رغم ذلك الرفض الإداري، أتت الزوجة الكبرى مع أولادها في العام 2006، فقدّمت طلباً باللجوء، تمّ رفضه. لكن، سُمح لها ولذريتها بالبقاء على الأراضي الإيرلندية "لأسباب إنسانية، ريثما ينتهي القضاء من البت نهائياً في الحالة".

استرسلت القضية سنوات طويلة، ولم يحلّ ذلك البت النهائي المنشود سوى في حزيران 2017. فبعدما استنفد الرجل المسالك القضائية المتاحة، من دون نتيجة لمصلحته، عرض القضية على المحكمة العليا، أعلى جهة عدلية في الدولة. فجاء قرارها متسماً بالوضوح من جهة، ومن جهة أخرى مشوباً بالغموض وقابلاً للتأويل والتفسير. فالحكم يُصرّ على عدم الاعتراف سوى بزواج واحد، لكنه يعترف بتبعات الزواجين كليهما، اجتماعياً وقانونياً وإدارياً. هكذا، تظل الزوجة الثانية هي الزوجة المعترف بها رسمياً، لكونها أتت وسُجلت قبل ضرتها، وفي الوقت نفسه تتمتع هذه الأخيرة بحقوقها في الإقامة والسكن والإرث والاعتبارات الأخرى وفقاً لمبدأ "لمّ الشمل العائلي". ما يشكل اعترافاً ضمنياً بتعدد الزوجات.

أكدت المحكمة في قرارها أن "من المحبذ، في هذه القضية، النظر إليها من زاوية واقع أسَري قائم". لكنها تضيف أن "الاعتراف بزواجين اثنين غير وارد قطعاً لأنه يتعارض ومبدأ المساواة، الذي ينص عليه الدستور". ووجّه عدد من الحقوقيين الإيرلنديين انتقادات إلى المحكمة العليا، معربين عن قلقهم من أن "الاعتراف بتبعات زواج ثانٍ، حتى مع أخذ الحيطة برفض الاعتراف بذلك الزواج في حد ذاته، قد يشكل سابقة قانونية من شأنها أن تغري حاملي صفة اللجوء الآخرين بالتمسك بها كحجة شرعية لانتزاع أحكام مماثلة".

وطمأنت الحقوقية إيزيولت أومالي، إحدى قاضيات المحكمة العليا، زملاءها ومواطنيها بالقول إن حالات تعدد الزوجات "ضئيلة للغاية بين أفراد الجالية المسلمة في إيرلندا، سواء أكان بين طالبي اللجوء أم حاملي صفة اللجوء فعلياً أو المقيمين أو المتجنسين". أضافت أن الملابسات المتعلقة بتعدد الزوجات "تنبع من التضارب بين قوانين البلدان المختلفة، ومن غير المنطقي ولا المشروع أن تعمد العدالة الإيرلندية إلى تجريم ممارسة مقبولة شرعاً وقانوناً في البلد الذي تمت فيه". وشددت على مبدأ تطبيق القانون وفق مكان حصول الشيء وزمانه، "فلو تمّ تجاوز قوانيننا باقتران ثانٍ على أراضينا، وأثناء الإقامة فيها، لاعتُبر ذلك جريمة مدنية تعاقب وفقاً للقوانين السارية. لكن، في حالة السيد م. ن.، تمّ الاقتران الثاني في لبنان، حيث لا يمثل خرقاً للقانون".

في فرنسا، في العام 2002، حصلت معضلة قانونية مشابهة مع لبناني ماروني، اقترن في بيروت في العام 1985 بمواطنة لبنانية، مارونية أيضاً. لكنه، في العام 1996، اعتنق الإسلام، وتزوج مجدداً في القاهرة آنسة مصرية مسلمة، فرنسية بالتجنس. بالتالي، ينطبق عليها القانون الفرنسي، تحديداً الفقرة 147 من قانون العقوبات، التي تمنع تعدد الزوجات. في النهاية، قضت محكمة النقض في باريس بالغاء الزواج الثاني وتحميل الزوجين "المخالفين" أتعاب القضاء. فصحيح أن الزواج الملغى حلّ في مصر، لكنه يخص مواطنة فرنسية. بالتالي، تقع تحت طائلة تشريعات فرنسا. والغاء زواج ما، وهو قرار نادر جداً، لا يعني الطلاق إنما يلغى الاقتران جملة وتفصيلاً، يعني "يُكنسله"... وكأنه لم يكن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها