الأحد 2017/05/14

آخر تحديث: 01:26 (بيروت)

المطبخ الأرمني.. تحرر من ربات المنازل

الأحد 2017/05/14
المطبخ الأرمني.. تحرر من ربات المنازل
في السنوات الماضية شهدت المطاعم الأرمنية ازدهاراً في بيروت (Getty)
increase حجم الخط decrease

ترسّخ انطباع لدي على مدى السنوات الماضية أن كل شيء عند الأرمن اللبنانيين مسيّس بشكل أو بآخر. وهذا ما أحسب أنه متصل بعمل الأحزاب الأرمنية، وتحديداً الطاشناق الذي يسيطر على مفاصل الحياة، من خلال البلديات والنوادي والجمعيات، والذي وحد الأرمن حول خطاب واحد، يتمحور حول مطلبي الإعتراف بالمجزرة، وإعادة الأراضي الأرمنية المحتلة إلى أصحابها، وبواجب المحافظة على الهوية الأرمنية التي تضمن استمرارية المطالب السياسية من جيل إلى آخر.

يلعب المطبخ الأرمني دوراً أساسياً في تكوين هذه الهوية، ويتم إعطاء ربات البيوت الأرمنيات مهمة المحافظة عليه عبر الأجيال. إلا أن هذا المطبخ هو مطبخ متخيل، لم يكن موجوداً بشكل فعلي قبل تصاعد الحركات القومية الأرمنية. فالمناطق التي سكنها الأرمن اللبنانيون في قرى ومدن منطقة كيليكيا في جنوب غرب الأناضول (أرمينيا الغربية) قبل عمليات التهجير، كانت متداخلة مع مناطق عيش شعوب الأناضول الأخرى، التي توجد فيها المحاصيل الزراعية نفسها وأنواع الحيوانات ذاتها. وأرمينيا الشرقية التي أصبحت كياناً معترفاً به مع سقوط الاتحاد السوفياتي، تتداخل جغرافياً مع مناطق عيش شعوب القوقاز الأخرى، التي استفادت جميعها من مرور طريق الحرير (آتياً من الهند والصين) في أراضيها.


هكذا، يمكن اعتبار المطبخ الأرمني، كما المطبخ التركي، جزءاً من المطبخ القوقازي، والمتوسطي (يستخدم البصل والتوم وزيت الزيتون بكثرة). وهذا ما ينطبق على مطبخ أرمن بيروت وعنجر. فكل طبق تركي يمكن إيجاد معادل له بشكل أو بآخر في أرمينيا. وكل طبق أرمني يمكن إيجاده أيضاً في تركيا. البسطرما، التي تعتبر فخر الصناعة الأرمنية، هي تركية الأصل، ويقال إن جنود الممالك التركمانية (قبل السلطنة العثمانية) في الأناضول، تناولوها خلال الرحلات الطويلة، لأنها تبقى لأسابيع بدون أن تتلف.

ويشترك أرمن لبنان مع سكان الشرق الأوسط عموماً في عدد كبير من الأطباق، بما أن الجميع كان تحت الحكم العثماني (تأثر المطبخ الأرمني بمطبخي اليونان وألبانيا، اللتين كانتا جزءاً من الإمبراطورية العثمانية). فالكبة النية على سبيل المثال شبيهة بالكبة النية اللبنانية، المجدرة (ترتكز على البرغل الأبيض بشكل أكبر)، الغمة Khash المرتبطة عند بعض الأرمن بمناسبات دينية، هي نفسها تقريباً هنا، لكن مع إبقاء الزوم في الصحن، المحاشي وورق العنب يتم صناعتها بطريقة قريبة، والتبولة (إيتش) تصنع بطريقة قريبة، لكن مع برغل أكثر. وإن أردتم تجربة الأكل الأرمني للمرة الأولى في مطعم أرمني تقليدي، يمكنكم ببساطة أن تطلبوا الطبق اللبناني الذي تريدون، وستجدون غالباً رديفه الأرمني الذي سيختلف غالباً بالنكهة.


يظهر تأثير مطبخ حلب على المطبخ الأرمني اللبناني بشكل واضح، وقد ازداد بعد انتقال جاليات أرمنية حلبية خلال الأزمة السورية، فافتتحت عدداً من المطاعم، التي تقدم الأطباق الأرمنية نفسها، لكن بنكهة وإضافات حلبية. أما قبل الحرب، فتأثير حلب كان ظاهراً في عنجر بشكل أساسي، التي تشترك مع حلب باستخدام البرغل بشكل كبير في الطبخ، وبوجود المحمرة بشكل شبه دائم على المائدة.

وما يميز عنجر عن مناطق الأرمن الأخرى، أن سكانها قد انتقلوا من جبل موسى في الثلاثينات وليس خلال الحرب العالمية الأولى كما هي حال أرمن المناطق الأخرى. وهؤلاء يتحدثون لغة مختلفة، ومطبخهم يعتبر مطبخاً قروياً، بعكس مطبخ أرمن برج حمود، الذي يعتبر مطبخاً مدينياً، انفتح منذ قرون على مكونات كثيرة، مرت على المدن الأرمنية في الأناضول خلال رحلتها إلى الأسواق الأوروبية.

ويحتفل سكان عنجر سنوياً بعيد تأسيس عنجر (يوافق عيد الصليب)، الذي يجذب أرمن بيروت والمناطق إلى القرية البقاعية، التي تتذكر في هذا اليوم الأجداد الذين قاوموا الجيش التركي في جبل موسى. وتتم صناعة الهريسة باللحمة في هذا اليوم، يُضاف إليها رب الحر أيضاً (يستخدم بكثرة في عدد من الأطباق)، وتُصنع 40 طنجرة (دست) كبيرة يتم توزيعها على سكان القرية (40 طنجرة لأن الأرمن قاوموا الجيش التركي في جبل موسى، لأربعين يوماً).

أما في السنوات الماضية، فقد شهدت المطاعم الأرمنية ازدهاراً في بيروت، واستطاعت الخروج من مطابخ ربات المنزل إلى مطابخ الطهاة اللبنانيين والأرمن اللبنانيين. يتذمر بعض الأرمن من تحول طابع أطباقهم الإثنية في هذه المطاعم، مع إضافة أنواع صلصة ومكونات أوروبية تجعلها أقرب إلى الذوق اللبناني، الذي يحب النكهات الفرنسية والإيطالية، رغم عودة كثير من المطاعم في السنوات الخمسة الماضية إلى المطبخ الشرقي.


لكن أيضاً تظهر في هذه المناطق بعض الأطباق وأنواع الحلويات التي من الممكن أن تتحول إلى تراث، كما بوظة جبل آرارات التي نشرها أحد المطاعم الأرمنية في بيروت. وهي مكونة من ثلاث كرات من بوظة الفستق واللوز وماء الزهر، ويتم تغطيتها بغزل البنات، وأراد المطعم أن تكون شبيهة بجبل آرارات المحتل، الذي يستطيع سكان أرمينيا رؤيته من دون الوصول إليه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها