الثلاثاء 2017/03/14

آخر تحديث: 05:36 (بيروت)

ماذا حل بصالات الأفلام الإباحية؟

الثلاثاء 2017/03/14
ماذا حل بصالات الأفلام الإباحية؟
يعيد أصحاب السينمات إغلاق صالاتهم إلى أسباب متعلقة بالحرب (Getty)
increase حجم الخط decrease
في منطقة جغرافية ضيقة بمحاذاة كورنيش المزرعة، يمكن عد خمس صالات سينمائية توفي أصحابها. إحدى هذه الصالات، سينما حوا التي تقع على أطراف شارع بربور، في مبنى سكني عملاق. في الطابق الخامس من المبنى، يقطن أكرم ناصر، إبن صاحب السينما. يقول لـ"المدن" إن والده كان مقاولاً، وعندما شرع في تشييد المبنى، طلب منه أصحاب سينما الكورسال، التي كانت في الجهة المقابلة، إنشاء سينما في المبنى، يلحقونها بالكورسال نفسها، بعدما ضاقت الأخيرة بروادها.

لكن أصحاب الكورسال ما لبثوا أن تنصلوا من مشروعهم، فحاول المقاول إدارة عمل لا يعرف عنه شيئاً، حتى أنه دخل مجال الإنتاج الفني، لكنه لم ينجح. الصالة التي احتوت على 350 كرسياً، بين بلكون وصالة، نشطت بين عامي 1961 و1969 من دون بريق يذكر. ثم تخصصت في الأفلام الهندية وأفلام الكاراتيه، إلى أن أغلقت أبوابها من العام 1995 حتى العام 2015، لأن عمقها الكبير تحت الأرض، وفقدانها مصادر التهوئة والنور، جعلا منها مكاناً غير صالح لشيء، ولا حتى لأن تكون مستودعاً كما هي حال الكورسال التي تحولت مخزناً للأخشاب. لكن سينما حوا وجدت من يستثمر فيها، أخيراً، غير أنها تحولت إلى ناد رياضي.

2
جاور حسن مواسي سينما كارمن في رأس النبع، منذ العام 1971. كان فتياً يومها، أما اليوم فصار رجلاً كبيراً، يفرد على بابها بسطة للألعاب وينفث دخان أركيلته منذ ساعات الصباح الأولى. يتحدث حسن عن هذه السينما بسخرية لاذعة، غامزاً إلى تاريخ غير مشرف لمكان موبوء، رواده من المقهورين في العالم السفلي، وقد ذاع صيته بسبب عرضه الأفلام الإباحية من دون حسيب ولا رقيب.

يهمس أحد الأشخاص قربه، بنكات تلمح لتحرشات بالأطفال حصلت في المكان. لكن مواسي لا يؤكد شيئاً. يقول إن الصالة كانت تتسع لـ600 مقعد، يُستَبدل المكسور منها بكرسي خشبي عادي. أغلقت الصالة تماماً في العام 2002، بعدما بيعت آلات العرض التي كانت فيها كخردة، وتحولت الصالة إلى محال العكاوي لبيع السلع الرخيصة. منذ أشهر قليلة، تبدلت إدارة المكان، وأصبح إسمه محال قاروط، مع الإشارة إلى أن العقار كان أصلاً لآل المجدلاني، الذين كانوا يبيعون فيه الخشب.

3
يرتاد محمد علي طرابلسي مقهى قليلات في البربير، منذ أن أغلقت سينما بيروت المجاورة، أبوابها في العام 1998. عمل طرابلسي قاطعاً للتذاكر على أبواب السينما لمدة طويلة، واعتاد التردد يومياً على المنطقة، التي كان يقصدها من صيدا منذ أربعة عقود ونصف، من دون تعب ولا ملل. يقول طرابلسي إن السينما كانت لآل أبو زيد، قبل أن يستلمها أبو سليم فتح الله. اختصت بعرض أفلام التسلية، والتشويق، والأفلام العربية التجارية، حيث كانت تتسع لـ750 كرسياً، بالإضافة إلى بار يقدم البوشار والمشروبات. أما روادها فكانوا من العائلات والشباب. تحولت سينما بيروت، وهي السينما الأضخم في المحيط الجغرافي، بعد سنوات من الركود والعروض شبه الميتة، إلى محال ديسكوفيري، وأخيراً إلى محال Big Sale، وبذلك تكون قد شهدت مصير سينما سكالا في فرن الشباك، التي تحمل اليوم أيضاً اسم مخازن Big Sale، بعدما كانت تقدم أفلاماً ومسرحيات للصغار. كما تشبه نهاية سينما إلدورادو في الحمرا التي لم تستبق من الصرح سوى إسمه.

4
يربض زين فتح الله على باب سينما سلوى، المغلقة تماماً منذ نحو ثلاث سنوات. يجلس يومياً على الكرسي، إلى جانب بائع القهوة، كأنه يحرس المكان. يفتح رجليه ويمسك بركبتيه كالمتأهب لحدوث أمر طارئ. يراقب المارة، ويتحلق حوله رجال ألفوه. يتردد صاحب العينين الحمراوين قبل التحدث عن سينما سلوى. يقول إن الصالة، التي تتسع لـ460 زائراً، أصبح عمرها اليوم 50 عاماً. ومن دون مواربة يخبر أنها كانت تعرض أفلاماً إيروتيكية، مبعداً عنه سلفاً الأسئلة الخبيثة. لكن، وفقه، السينما بيعت منذ سنوات قليلة بسعر رخيص، لأن البناء ذاهب إلى الهدم، بعد تاريخ طويل من المجاهرة بعرض الأفلام الجنسية.

5
يشتغل صلاح سكر في محله المخصص لبيع معدات الإضاءة، والملاصق لسينما الكواكب في طلعة النويري. صلاح أخذ إسمه الأول من جده، مالك السينما الأصلي. يخبر أن الصالة أغلقت أبوابها في العام 1980، ولم تفتح أبوبها أبداً منذ ذلك الوقت. بات المكان أقل من مستودع، ولا يحتوي إلا على ما ثقل حمله، وتعذر نقله ورميه بعيداً. في الأصل، كانت سينما الكواكب صالة للأفراح، لكنها تحولت إلى سينما مع رواج تلك الموجة، ثم استمرت بالعمل 15 عاماً. ما يميزها عن غيرها، أن مرشحي الانتخابات كانوا يقيمون احتفالاتهم الدعائية فيها. لكن، مع بداية الحرب، خاف صاحبها من أن يتخذ عناصر الميلشيات لهم وكراً داخلها، فأغلقها إلى الأبد.

يعيد أصحاب السينمات إغلاق صالاتهم إلى أسباب متعلقة بالحرب، ووصول الساتلايت والإنترنت إلى البيوت. لكن أيضاً من الملاحظ أن من استلموا هذه الصالات وأداروها، لم يكونوا متخصصين في هذه الصناعة. لذلك، عند ظهور صالات Planet وأمبير، بتقنياتها الحديثة في المراكز التجارية الكبيرة، قرروا الاستسلام من دون أي مقاومة، ليجعلوا فكرة وجود صالات سينمائية في الزواريب الصغيرة، فكرة غير معقولة إلى الأبد.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها