قاومت
في المرة الأولى، كان شريف يحضر لامتحاناته في كلية الحقوق، في محاولة منه لمتابعة حياته كأن شيئاً لم يكن. لكن عشية عيد الميلاد، على بعد أيام من موعد الامتحانات، انخفضت مناعته بشكل خطير، ووصل ضغط الدم في جسمه إلى معدل أربعة على إثنين. "عندما دخلت قسم الطوارئ، حيث مكثت 14 ساعة متواصلة، كنت على وشك الموت، لكنني زمطت"، يروي شريف ممازحاً.
في المرة الثانية، كان يتحضر لاجراء عملية جراحية لزرع النخاع الشوكي. تبرع له أخوه بالدم لكن التطابق بين دم الأخوين لم يتعدّ نسبة 50%. ما أضعف فرص نجاح الجراحة. "لكنني اخترت أن أخضع لها، خصوصاً أن البديل منها كان مواصلة العلاج الكيميائي لمدة ثلاث أو أربع سنوات. وإن خيّرت بين الجراحة وشهر واحد إضافي من العلاج، كنت سأختار الجراحة حتى أنتهي مرّة أخيرة من المرض". لكن هذا النوع من العمليات الجراحية يترافق عادة مع تعقيدات كثيرة ونسبة وفاة تراوح بين 15 و20%. خضع شريف للجراحة وما لبث أن خرج منها حياً حتى أصيب بإحدى هذه التعقيدات. "نسبة الوفاة تصل إلى 85 و90% عند الإصابة بهذا التعقيد بالذات"، يشرح شريف الذي كان من 10% المحظوظين.
في المرة الثالثة، كان على موعد مع إلتهاب حادّ في الرئة كاد يفقده قدرته على التنفس. "في هذه المرة، قاومت بشدة لأنني لم أكن أقبل أن يقتلني إلتهاب في حين أن السرطان نفسه لم يقوَ عليّ"، يقول شريف الذي عاد وتعافى من الالتهاب بعدما كان قد تعافى بالكامل من السرطان.
أجمل لحظات
يؤكّد شريف النظرية التي تفيد أن محاربة السرطان تقتضي أن تكون ثقة المريض بنفسه كبيرة. "كنت أثابر على الضحك والمزاح، وأنشر في اليوم الواحد صورة أو اثنتين لي على إنستغرام مع الأصدقاء أو الممرّضات". والمرة الوحيدة التي أحس فيها بضعف وحزن شديد كانت عندما تبين له أن قدراته على التركيز والدراسة وفهم المعلومات بدأت تضعف. "كنت متقبلاً فكرة أن ينهش السرطان جسدي، لكن لمّا وصل إلى قدراتي العقلية، كان ذلك أشبه بالمساس بالمحظور"، يقول شريف الذي تأخر سنة واحدة عن مساره الأكاديمي.
أمّا أجمل لحظات عاشها بعد تغلّبه على المرض كانت رحلة سياحية إلى كندا قام بها في محاولة منه لاستعادة استقلاليّته التي فقدها أثناء العلاج. "هناك، مارست رياضة القفز بالمظلة من الطائرة وهو حلم يراودني منذ ما قبل إصابتي بالسرطان". يضيف: "في لحظة تحليقي في السماء، استعدت لثوان مجريات السنة الفائتة، وفكّرت أن أحداً من الأطباء أو ممن عرفني خلالها ما كان ليتخيّل أنني سأكون اليوم طائراً محلقاً في السماء".
لحظة جميلة أخرى تنتظر شريف، يوم الجمعة في 10 شباط، حيث سيوقع كتابه "I am a living legend"، الذي يروي فيه تجربته مع السرطان ومع الشفاء منه في مكتبة أنطوان في أسواق بيروت. "عندما خطرت لي فكرة الكتابة عن تجربتي، أمسكت القلم ولم أتركه طوال 13 ساعة وضعت فيها رؤوس الأقلام والأفكار والمحطات الرئيسية". "كتبت لكي أتشارك مع القرّاء ما تعلّمته من التجربة"، يقول الشريف قبل أن يختم: "أردت أن أقول لهم إن للحياة معنى أكبر، نستمدّه من أولئك الذين يحبوننا ويقفون بجانبنا ويشعروننا أن غيابنا المحتمل سيحدث فرقاً كبيراً، وبالتالي أن لحضورنا في هذه الحياة قيمة مضافة".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها