الخميس 2017/02/16

آخر تحديث: 03:13 (بيروت)

رحاب عازار تقاوم النظرة الدونية للمرأة العازفة

الخميس 2017/02/16
رحاب عازار تقاوم النظرة الدونية للمرأة العازفة
تخطط رحاب الآن لتنظيم مزيد من الحفلات داخل بريطانيا وأوروبا
increase حجم الخط decrease
كان والد رحاب عازار، صانع أعواد في حمص. وقد صنع عوداً لابنته وهي في عمر السابعة. مسألة الموسيقى إذاً، لم تكن عابرة في بيت رحاب، بل أمراً يومياً وطقوسياً دعم الفتاة في نشاطها الموسيقي.

تبدو فكرة الانضمام إلى المعهد العالي للموسيقى، في ظل ما اختبرته رحاب موسيقياً، بديهية بعض الشيء. لكن المسألة لم تكن كذلك بالنسبة إليها. كان دخول المعهد أمراً أكثر تعقيداً. فـ"قبل دخولي المعهد، تعرفت إلى أناس يدرسون فيه، وقد شاءت الظروف أن ألتقي عدداً كبيراً منهم. كنت في السادسة عشرة ربما، وأعجبت بشخصياتهم الواثقة، وبتأديتهم أنماطاً موسيقية مختلفة عن تلك التي كنت أعرفها. أُخذت برهبة المعهد الذي كان يبدو لي كالحصن المنيع، لا يدخله سوى المميز حقاً".

بعدها التحقت رحاب بمعهد دمشق للموسيقى، وكانت إلى جانب ذلك تتابع دراستها في كلية الصيدلة في حمص. لكن ذلك لم يستمرّ طويلاً. "ترك كلية الصيدلة لم يكن قراراً صعباً. على العكس، كان خلاصاً"، تقول رحاب، "خلاص من واقع ثقيل وغير منطقي".

لم تدعم الأسرة خطوتها، وبدأ صدام حقيقي مع الأهل. "شعرت أن أحداً لم يشعر بكم التعب والتمزق الذي أردت أن أخلّص نفسي منهما. الجميع ظن أن باستطاعتي إكمال الاختصاصين معاً، أسوة بأناس استطاعوا فعل ذلك. أعتقد أن أمي في النهاية استطاعت أن تستوعب الأمر، أكثر من أبي".

"المعاناة" التي اختبرتها رحاب في كلية الصيدلة، كانت العامل الأساسي الذي دفعها إلى التمرس في العزف والعمل لتحويله مهنة. إلا أنه إضافة إلى ذلك، كان النشاط الواسع لفرقة التخت الشرقي النسائية، ولاسيما بين عامي ٢٠٠٨ و٢٠٠٩، والتي كانت إحدى العازفات فيها، تشي بإمكانية وصولها إلى هذا الهدف.


تحكي رحاب عن تجربتها في العزف مع التخت الشرقي النسائي السوري. "لقد أعطتني كثيراً. كانت تجربتي الأولى في العزف على مسرح مع مجموعة. وسّعت الفرقة معرفتي الموسيقية وطورت لدي حس توظيف العود ضمن الفرقة وأعطتني ثقة كبيرة بالنفس موسيقياً وشخصياً. وسمحت لي بالسفر إلى بلدان عدة".

لكن رحاب لم تُدعَ إلى العزف مع فرق أخرى، رغم تميزها الواضح في المعهد. وهي تحكي عن نظرة دونية تمارس تجاه النساء العازفات، وعن تمييز عام بين الرجال والنساء، لمصلحة فكرة أن العازفين الذكور هم أقدر وأفضل. إلا أنها، بتمكنها من العزف منفردة مع الفرقة الوطنية للموسيقى العربية، استطاعت كسر شيء من الذهنية السائدة. "أعتقد أن هذا كان كافياً لتقديم صورة مهنية واضحة في النهاية. الفضل يعود للأستاذ محمد عثمان الذي أعطاني ثقة وتقديراً ثمينين جداً"، تقول رحاب، التي تأثرت بعثمان وأساتذة آخرين منهم أيمن الجسري وعصام رافع. وتأثرت بالمدرسة الأذربيجانية والكلاسيكية الغربية في الموسيقى، من خلال ريبيرتوار عسكر علي أكبر.


وعند سؤالها عمن تحب من الموسيقيين، تقول إن "لا مفاضلة في الفن"، إذ تبدو أسئلة التفضيل هذه مجحفة بعض الشيء. فبالنسبة إليها، لكل شخص خصوصية يجب أن تُؤخذ بالإعتبار. "أقدّر صدق الأداء الذي لا يتمحور حول فردية الشخص، وإنما حول ما يغنيه أو يعزفه". لكن طبعاً تتفاعل رحاب مع الموسيقى الشرقية بتلقائية أكبر. هذا ما تشعر به رغم عدم وجود اتجاه معين للموسيقى التي تستمع إليها.

غادرت رحاب خلال الحرب السورية للدراسة في لندن، لكنها لا ترى ارتباطاً ضرورياً بين المغادرة والحرب، فقد أرادت المغادرة منذ سنوات، عبر سعيها الدائم إلى تحصيل منحة دراسية. تقول: "لا أعرف إذا ما كان سفري مرتبطاً بالحرب. لكن ما أعرفه جيداً، هو حاجتي إلى العيش في بلاد منفتحة اجتماعياً ومدنية ومنظمة ويطبق فيها القانون على الجميع". تضيف: "في بريطانيا، التفاعل إيجابي ومحفز للغاية. والعود محبب لدى معظم الناس. عموماً، يتفاعل الناس مع الموسيقى الشرقية مهما اختلفت ثقافاتهم".

تخطط رحاب الآن لتنظيم مزيد من الحفلات داخل بريطانيا وأوروبا، ولترجمة أبحاث عديدة إلى العربية ونشر بعض ما عملت عليه أثناء دراستها، بعدما ميّزها مجلس الفنون الإنكليزي في كانون الأوّل 2016 كموهبة واعدة واستثنائية، وساعدها هذا على اجراء تجارب جديدة مع عدد من الموسيقيين. "لا أزال خجولة قليلاً بطموحاتي في العزف مع موسيقيين آخرين، لأنني أقلق بشكل زائد عما يمكن أن يخدمني عملياً. لكني أؤمن بأن الموسيقيين يجدون بعضهم في النهاية".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها