الإثنين 2016/06/20

آخر تحديث: 13:57 (بيروت)

مارلين نصر: "هل اللبنانيون عنصريون"؟

الإثنين 2016/06/20
مارلين نصر: "هل اللبنانيون عنصريون"؟
عندما تتهدد لقمة العيش تبرز نزعة كراهية الآخر (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
التساؤل إذا كان اللبنانيون عنصريين يبرره ما يسمع يومياً من مواقف وآراء، واعتداءات أحياناً، تجاه غير اللبنانيين. لكنه تساؤل مفخخ أيضاً، إذ لا يمكن القول إن اللبنانيين، جمعيهم، عنصريون، كأنهم شخص واحد. وهذه الجوهرانية السائدة في الكلام العام، تحاول "المدن" مناقشتها من نواح ووجهات نظر متعددة، خصوصاً مع ازدياد أعداد غير اللبنانيين في لبنان، وتشكيلهم اجتماعات خاصة، نسبياً، كما في مخيمات اللاجئين، الذين يُحتفل في 20 حزيران من كل عام بيومهم العالمي، وهم يُعدون من أكثر الفئات ضعفاً واستهدافاً. 


تبدأ الحوارات حول "هل اللبنانيون عنصريون؟" مع الباحثة في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" الأستاذة الجامعية مارلين نصر، ثم يليها حوار مع أستاذ الإقتصاد في "الجامعة الأميركية" في بيروت جاد شعبان، وأستاذ علم الاجتماع في "الأميركية" ساري حنفي.

تقول الدكتورة مارلين نصر أن لا عنصرية عند اللبنانيين تجاه الآخرين. وهي تفسر ذلك بالركون إلى عنصرَي العنصرية (Racism)، كما ظهرت في القرنين العشرين والواحد والعشرين، في مجتمعات في أميركا وأوروبا وآسيا وأفريقيا والعالم العربي. والعنصران هما:

أولاً، عقدة التفوق لدى عنصر (أو قوم أو ثقافة أو أمة..) تجاه عنصر آخر، إن كان داخل المجتمع نفسه، أو في اتجاه مجتمع أو شعب آخر. وهذا التفوق، الذي يبدو "طبيعياً" عند مَن يعتقد بتفوقه، لـ"امتلاكه مميزات"، يعني التعامل مع الجماعة الأخرى على أنها أدنى في السكن والثقافة وفي وضعها في العمل. وهذا ما حصل مع الاستعمار الفرنسي للجزائر مثلاً.

أما العنصر الثاني، فهو استغلال الجماعة "المتفوقة" وإضطهادها الجماعة الأخرى. وهذا ما لم يكن، وفق نصر، موجوداً مرة في لبنان، إذ "لا يوجد عقدة تفوق كقوم أو كشعب على شعب آخر".

على أن الثقافة اللبنانية تأثرت، خلال فترة الإنتداب الفرنسي في أوائل القرن العشرين، بـ"النظرة التفوقية الفرنسية، التي تنظر بدونية إلى العرب كعنصر آخر ومختلف، خصوصاً أن الفرنسية كانت مهيمنة عالمياً". وهذه النظرة، وفق نصر، انتقلت بدرجات إلى بعض الفئات الموجودة في الأوساط اللبنانية، "لكنها ما عادت موجودة الآن، ذلك أن الخطاب تغير، خصوصاً أن المكون اللغوي العربي، في الممارسة والمصلحة وسوق العمل، ما عاد مخيفاً".

والحال أن الموجود في لبنان هو شيء آخر. وهو موجود عند معظم الشعوب العربية في المشرق والمغرب. وتسميه نصر بـ"نوع من التدرج في السلوك تجاه الجماعة المختلفة عن الجماعة التي تملك هذين الشعور والسلوك". وهذا ما تفسره البنية الاجتماعية- الثقافية العربية، التي تعرف في علم الاجتماع بـ"نظام القرابة (نظام التزاوج والتعايش) الداخلي. وهو نظام قرابة شبه فريد في العالم". ذلك أن العلاقات في هذه المجتمعات تُنجز داخل الجماعة، إن كانت عرقية أو لغوية أو عشائرية أو عائلية. لذلك لا تقبل "هذه الشعوب دخول جماعة مختلفة إليها إلا بشروط، مثل عدم التدخل والتزاوج، أو تهديد لقمة العيش. فحين تهدد الجماعة الثانية استمرارية الحياة والعيش اليومي عند الأولى تُنبذ وتعتبر خطرة".

وتلجأ نصر، في تفسيرها ما ليس عنصرية تجاه الآخر عند اللبنانيين، إلى مقاربة كمية بالاستناد إلى دراسات أنثروبولوجية أنجزت في دول غربية عن علاقات جماعات أصلية بجماعات وافدة إليها، مثل مجتمعات الهجرة في أميركا وأفريقيا. تحدد هذه الدراسات "عتبة" عددية لبدء "كلام الكراهية"، أي الوصول إلى "الصدام ونزعة كراهية الآخر، وربما القتل والضرب". وفي أوروبا، حين تصل نسبة الوافدين إلى 7 في المئة من مجموع الموجودين في وطنهم يبدأ "الكلام والسلوك العدائيين والرغبة بعدم الاختلاط".

وفي لبنان أو المجتمعات المماثلة له، وفق نصر، عندما تصير الجماعة الوافدة بعدد كبير، و"تهدد العيش فعلاً، وليس بالكلام فقط، تظهر النظرة العدائية التدريجية، التي تبدأ من عدم الاختلاط ثم الابتعاد فالنبذ والطرد، لتصل أخيراً إلى الصراع". وتعتقد نصر أن العتبة، في هذه المجتمعات، تتفاوت بين 15 و20 في المئة. ذلك أن "هذه المنطقة في تاريخها اعتادت على نزوحات عديدة، ودائماً هناك أقوام مضطهدة". لكن هذا الصراع محكوم، في الأساس، بـ"تداخل الوسائل المعيشية والمنافسة بين الأفراد. فالجماعة الأولى تستشرس من أجل حماية مواردها المالية، خصوصاً أننا في لبنان على طرف الاكتفاء. والفئات الأفقر، من منظور طبقي، تخاف ممن يُماثلها في فقرها".

وهذا ما يمكن أن يطبق على حالة اللاجئين السوريين في لبنان. فالقبول المبدئي بهم، بسبب الحرب في بلادهم، وما عايشه اللبنانيون في ذاكرتهم الحربية، حُدَّ لاحقاً عندما "شعر لبنانيون بالخطر من وجود تنافس في سوق العمل، واستفادة المؤسسات اللبنانية من رخص أجور اليد العاملة السورية". واللبنانيون الخائفون على مصدر رزقهم لا يقولون، وفق نصر، "السوريين" بل "السوري"، أي "ذلك الفرد الذي ينافسهم في سوق العمل، ثم يُعمم الكره إلى الجماعة". لكن ماذا عن العمال المهاجرين من آسيا وأفريقيا؟

ترى نصر أن السلوك تجاهم متعدد. لكن "الشخص الضعيف"، إن كان امرأة أو ولداً أو خادماً أو قريباً من الفقراء، "تزداد النظرة الدونية إليه". لكن نصر تقول إنه "لا يوجد جماعة لديها التدرج السلبي في النظر إلى الأضعف فقط، بل دائماً هناك السلبي والإيجابي".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها