الإثنين 2015/07/13

آخر تحديث: 13:47 (بيروت)

الدفاع المدني السوري: لا يمكن أن نتخلى عن عملنا

الإثنين 2015/07/13
الدفاع المدني السوري: لا يمكن أن نتخلى عن عملنا
تسعى "حملة من أجل سوريا" إلى جمع 100 ألف دولار،"تذهب كلها إلى أعضاء الدفاع المدني السوري" (Getty)
increase حجم الخط decrease
منذ سنوات يبرز الدفاع المدني السوري، أو "الخوذ البيضاء"، كمساعد في عمليات إنقاذ وإغاثة الجرحى في سوريا. وقد تمكنّوا منذ بداية عملهم، وفق رئيس الدفاع المدني السوري رائد صالح، من إنقاذ 17796 شخصاً من تحت الأنقاض، بطاقم عمل مؤلف من 2067 فرداً، يجيئون من خلفيات مهنية وتعليمية مختلفة. وفي الأشهر الماضية، قصفت ثلاثة مراكز لهم في ثلاثة أيام، وتعرض المئات منهم للاختناق والأمراض التنفسية "بسبب تزايد الهجمات الكيميائية التي يشنها النظام"، وقضى منهم 82 شخصاً، عدا تعرضهم لإصابات جسدية. فيما يلي شهادات لخمسة أفراد من "الخوذ البيضاء السورية".



نقص في المعدات
قبل أن ينضم راضي سعد إلى الدفاع المدني السوري، في أيلول العام 2013، عمل منذ بداية الثورة السورية في الأعمال المدنية، مثل توثيق المباني المتضررة من القصف، والأعمال الاغاثية والخدمية. وهو بدا، في شرحه انتقاله من عمل إلى آخر، كأنه يبحث عن فعالية العمل نفسه وتأثيره. اذ ترك العمل الاغاثي، على ما يقول، "لأنه لم يعجبني، بسبب قلة المواد التي تصل إلى النازحين والمهجرين، وكانت حاجة الناس كبيرة".

تدرب في تركيا لدى منظمة "أكوت"، للعمل في سوريا ضمن فريق بحث وانقاذ لـ"مساعدة الناس المصابين جراء قصف النظام السوري للمدنيين العزل، في الأسواق والبيوت. وهذا الوجه الانساني، تحديداً، ما دفعني إلى الانضمام الى الدفاع المدني"، يقول. لكن الأمر لم يخل من صعوبات تقنية، وكذلك من صعوبات "قتالية". "في البداية، كنا نعاني من نقص في معدات البحث والإنقاذ الخفيفة، وانعدام المعدات الثقيلة بالإضافة إلى المشاهد المؤلمة التي كنا نراها في كل عملية نقوم بها". وهو يشير إلى العيش بين "جثث الأطفال وأشلاء النساء والرجال".

في كل الأحوال، يبدو استعداد "الخوذ البيضاء" للعمل وحده غير كافٍ لإتمام مهماتهم. اذ "تعاني المناطق المحررة في سوريا من عدم وجود مشاف مجهزة لاستقبال الإصابات الخطيرة، إنما يقتصر عمل المؤسسات الطبية على الإسعاف الحربي السريع وبعض العمليات البسيطة". هكذا، يصير عمل هؤلاء صعباً، لكن "لا يمكننا أن نتخلى عنه. في اللحظة التي تنقذ فيها روحاً، تَثبت في عملك هذا"، وفق سعد.


حيرة الانقاذ
كان دريد باش يدرس الأدب العربي، في سنته الجامعية الثالثة، في جامعة تشرين في اللاذقية. ترك الجامعة "بسبب الظروف والمضايقات الأمنية"، على ما يقول، لكنه لم يعمل من بعدها. وهو كان يعيش في منطقة تتعرض يومياً لقصف البراميل والطيران. "رأيت أشخاصاً يموتون، وآخرين تعرضوا لاصابات، ومنهم أقرباء لي وأصدقاء. لكن لم أتمكن من فعل شيء".

تطوع باش، منذ أكثر من سنة، في الدفاع المدني السوري. "لم أكن أريد أن تكون حياتي على الهامش، وأردت أن أقدم شيئاً للذين يعيشون تحت قصف البراميل". وهذا يعني، في سرد باش، أن تصل إلى لحظة تقف فيها بين خيارين. "قد تكون في مكان يوجد فيه مصابون، ولكنك تعرف أن الطيران سيرجع ليقصف المكان نفسه مرة أخرى. ويجب أن تختار بين حياة المصابين وحياتك". وهذا القلق لا آخر له. "قد يكون أقرباؤك هم الضحايا، أو زميلك في العمل. قد تنتشله من تحت الأنقاض ولا تعرفه، بسبب ضغط العمل، والدم الذي يغطيه، وهو يحاول أن يخبرك لكن الدم يدخل في مجرى تنفسه".

والناس، وفق باش، ملت من الحرب والموت وقلة الماء ونقص الاحتياجات المعيشية. "لكن ماذا يمكن أن تفعل أمام أطفال يبكون، امام أهلهم، عندما يسمعون صوت الطائرة ويترجونهم أن لا يسمحوا للطيار بقتلهم؟ الناس يريدون الأمان أولاً وأخيراً". يبقى أن الدعم ناقص ولا يناسب تعدد المهام التي يقوم بها الدفاع المدني السوري، "من الانقاذ والاسعاف والاطفاء، وازالة الأنقاض والبحث. عندما تطوعنا لم نسأل عن الدعم والرواتب، لأن بدنا نشتغل وننقذ. لكن الدعم مهم لاستمرارية العمل".


سقوط البراميل
بدأ عامر أبو عبيدة العمل مع الدفاع المدني في العام 2013، لإطفاء حريق امتد إلى أربع قرى. لكنه، بعد عام، إنتسب إليه بشكل إداري، متوقفاً عن متابعة دراسته للكيمياء في جامعة حلب، في آخر السنة الثالثة. وهو يرى أن هذا العمل صار واجباً عليه "بعد اشتداد القصف وكثرة المحتاجين إلى المساعدة، وحباً مني لمساعدة الناس والتخفيف عنهم".

ويروي أبو عبيدة حادثتين بدتا له من أصعب ما مرّ به. أولهما انتشال طفلة تدعى وئام من تحت ثلاثة أسقف بعد حوالي 8 ساعات من العمل في الليل، في ظل استمرار قصف الطيران. "عندما وصلنا إلى الطفلة، سألناها وين أهلك، قالت من شوي كنت عم احكي معهن. تابعنا العمل. لكننا وجدنا أن أفراد أسرتها (جدتها ووالدتها وأخوتها الستة) قد فارقوا الحياة".

وفي نيسان العام 2014، كان أبو عبيدة يشتغل في تجهيز مقابر في مقبرة الشهداء، عندما سقط برميل على بعد مئتي متر. "طلبت مؤازرة المركز، ووصل أحمد عبود ومحمود حرح وأخي مازن وشادي. الأخير تنبه إلى ان الطيران يستعد لقصف تجمع المدنين، فذهب إلى اخلائهم، فسقط البرميل قريباً منه ومن المركز، فقضى. وسقط أحمد، بينما غطى الدم مازن". يتذكر أبو عبيدة تدمّر الإطفائية واحتراق المحال، ويتذكر أيضاً طفلاً قُطعت قدمه وزحمة السيارات "وناس عم تبكي، وأمي تبحث عن أخي مازن". بقي أحمد ومازن، على قيد الحياة، لكن قصرت قدم الأخير، بعد ان عُولج في تركيا، ليعود إلى سوريا وقد توفيت والدته.

يؤكد أبو عبيدة أن الوضع في سوريا "بعيد كل البعد عن الانسانية. كمية البراميل التي سقطت على سوريا منذ بداية الثورة كفيلة بأن تمسح الانسانية عن بكرة أبيها". وهو يحمل مسؤولية النقص في الدعم والتقاعس في تأمين الدعم المادي واللوجستي إلى "الحكومة المؤقتة. فهل تعلم أن عناصر الدفاع المدني السوري لم يتلقوا لسبعة أشهر أي مكافأة أو راتب؟ وعندما أصيب عنصر وظل غائباً عن الوعي في مشافي تركيا لمدة ستة أشهر لم تقدم له مصاريف إلا 100 دولار، وهو يتلقى الآن العلاج على نفقته الخاصة". أما النظام السوري فـ"صار يستهدف معظم مراكزنا".


حياة الناس أمانة
لم يتقدم مرهف إسماعيل إلى امتحانات البكالوريا، لأن "التقديم" كان في مناطق نفوذ النظام، وذلك خوفاً من الاعتقال. وكان يسعى أيضاً إلى الابتعاد عن العمل المسلح وان "أقدم شيئاً أفيد فيه أهل بلدي. وعندما أنشئ مركز الدفاع المدني في بنش التي أعيش فيها، في العام 2013، قدمت طلب انتساب وخضعت لدورة تدريبية".

كان القصف، في بنش، كثيفاً وكذلك عدد القتلى والجرحى، ذلك انها "خط جبهة من جهات متعددة". لكن أصعب المواقف كان في احدى معارك ادلب، وبعد تحرير الحارة الشمالية منها، "حيث ضربت الطائرة صاروخاً فراغياً على حارة تضم بيوتاً قديمة، وهدمت خمسة منها. وهذه كانت بيوت لنازحين، ويعيش في كل منها 10 أشخاص في الحد الأدنى". وجهت النداءات إلى مرهف ورفاقه، لكن المعارك كانت مستمرة. "أصررنا على الوصول، لأن حياة الناس أمانة في رقبتنا. وصلنا فعلاً، وأنقذنا بعض السكان، بينما قضى آخرون، وطوال فترة عملنا كان الطيران يضرب في المنطقة حولنا".

في البداية، لم يكن الناس يعرفون ما هو الدفاع المدني. ذلك أنه قبل الثورة كان مقتصراً عمله على عمليات الاطفاء في المدن الرئيسية. "لكن عندما رأى الناس شغلنا، صار لنا شعبية كبيرة، وتعاملهم معنا جيد نوعاً ما، لكنه لا يخلو أحياناً من النقد أو أحياناً من الشتائم". أما النظام فـ"قد دمر مركزنا القديم، وفي أغلب عمليات الانقاذ كان يستهدفنا بالقنابل العنقودية، وعندما ضربت اطفائيتنا، واستشهد راغب، وجرحت أنا، لم نحصل على اطفائية بديلة".


نحول الخوف إلى أمان
كان عبد الملك سراج يشتغل عنصراً في فوج إطفاء حلب. ومع بدء الثورة أعلن انشقاقه عن النظام السوري. وفي ظل ما كانت تتعرض له مناطق عديدة من قصف وتدمير وقتل، و"عندما أصبحت حياة الناس مأساوية، رأيت أنه من واجبي، لما أملكه من خبرة سابقة في مجال الدفاع المدني، أن أستكمل عملي الانساني والاخلاقي لانقاذ أرواح البشر". هكذا، بحث عبد الملك عن أشخاص متطوعين "وقد وفقت بإيجادهم. كنا 23 شاباً نعمل تطوعياً من دون راتب أو مقابل، وقد قمت بتدريبهم واعطائهم دروساً نظرية وعملية".

كان على عبد الملك أن يظهر لزملائه، الأقل خبرة منه، "قيمة عملهم، وكان عليّ أن أكون قدوة لهم، وأن أكون في مقدمة أي عمل، فلا شيء يساوي مشاعر الفرح والانسانية التي ينتجها هذا العمل". ساهم حماس الشبان واندفاعهم في تأمين استمرارية العمل، "رغم قلة وبساطة معداتنا. لكن كان علينا العمل بالوسائل المتاحة لانقاذ أرواح الشعب السوري. كنا نجرّب أن نحوّل الخوف إلى أمان، وأن ننسى ساعات التعب فور انجاز مهمتنا، وانقاذ شخص كان عالقاً تحت الانقاض".

وفي ظل نقص الأدوات، "كنا نعمل بأيدينا لساعات، فيما قصف الطيران مستمر، وفي أحيان يكون الموقع الذي نعمل فيه مهدداً بالسقوط فوقنا. وكانت الصعوبة الأكبر من الألم العميق جرّاء اصابتي وأنا أقوم بواجبي، والتي أدت الى بتر ساقي اليمنى من فوق الركبة".


حملة من أجل سوريا
في أوائل العالم 2014 سمعت "حملة من أجل سوريا" لأول مرة عن عناصر "الخوذ البيضاء"، وقد كانت تعمل على تعزيز حملات دعم أخرى للشعب السوري منذ تأسيسها قبل عامين، فخصصت جزءاً من عملها لتأمين دعمهم واستمرارهم في العمل. وفي بداية شهر رمضان الحالي أطلقت حملة لجمع التبرعات والمساعدات لأعضاء الدفاع المدني السوري، و"خصوصاً الجرحى منهم لتأمين أطراف اصطناعية لهم، وإعالة عائلات الشهداء"، وفق هانيا مرتضى، المتحدثة باسم الحملة. "هدفنا أن نساعدهم في البداية، ليتمكنوا لاحقاً من العمل وحدهم، لكننا في سياق ذلك، لا نقبل مساعدات حكومية أو من الأطراف المتقاتلة، وذلك حفاظاً على استقلاليتنا".

تسعى الحملة اذاً إلى جمع 100 ألف دولار أميركي، "تذهب كلها إلى أعضاء الدفاع المدني السوري، على أن يقرروا بأنفسهم مصيرها. وقد وصلت المساعدات المقدمة إلى الآن إلى 62 ألف دولار. وكان يفترض أن تنتهي الحملة عند نهاية شهر رمضان، لكن يمكن أن تمدد فترة إضافية"، وفقها. على أن مرتضى تشير إلى "خوف من التبرع يبقى موجوداً، بسبب الخوف من وصول هذه المساعدات إلى أطراف مقاتلة، وهذا ما تسعى الحملة إلى تجاوزه".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها