الخميس 2015/05/21

آخر تحديث: 15:21 (بيروت)

"الأميركية": النضال الطلابي مستمر

الخميس 2015/05/21
"الأميركية": النضال الطلابي مستمر
حرم الجامعة متجه ليصير ساحة اعتصام أو اضراب (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
مجدداً تحاول إدارة "الجامعة الأميركية" في بيروت زيادة الأقساط، حيث أصبحت هذه الزيادة من التقاليد المتبعة قبل نهاية كل عام دراسي. في المقابل، وفي إجراءات غدت أيضاً جزءاً من التقاليد، يحكى عن تحركات طلابية مقبلة رفضاً لهذا القرار. لعبة الكر والفر بين الطلاب والادارة ليست وليدة الأمس، وبالتأكيد لن تنتهي هذا العام. فالجامعة الأعرق في لبنان والشرق الأوسط، حسب التوصيف المعتمد لها، شهدت في السبعينات أوسع موجة احتجاجات طلابية على ارتفاع الاقساط. يومها انتهى الأمر بتدخل قوات الأمن لإنهاء الإعتصام في حرم الجامعة. وهذا ما تكرر في أولى سنوات ما بعد الحرب الأهلية، وكانت قوات الأمن موجودة أيضاً. 


في السنوات القليلة الماضية، حمل طلاب "الأميركية" شعاراتهم وطالبوا مجدداً بوقف سياسة النزف المالي، والشفافية والمشاركة في القرار. لكنهم لم يصلوا الى مبتغاهم. الواضح في الوقت الحالي ان حرم الجامعة متجه ليصير ساحة اعتصام أو اضراب، اذا لم تراجع الادارة سياساتها، خصوصاً لجهة سعيها لإلغاء حضور الطبقات الوسطى في حرمها، الأمر الذي إنتقل بدوره الى تغير يطال "شارع بلس" الموازي للجامعة، الذي يشهد منذ سنوات اغلاق العديد من المحلات ذات الأسعار الرخيصة، في مقابل هيمنة محلات أخرى.

وكما في كل عام، يواجه الطلاب اعتراضات من نوع آخر، يمكن تسميتها بالتهكمية. اذ اعتماداً على صيت شائع عن الجامعة، بأنها ملتقى الطلاب البرجوازيين أو المنتمين إلى الطبقات الغنية في المجتمع، يعتبر البعض ان التحركات الطلابية خالية من المضامين النضالية، وبعبارة أبسط: "من يدفع آلاف الدولارات سنوياً لا يحق له الاعتراض على زيادة في الأقساط".

الغريب في هذه التهكمات خلوها من أي اعتبار لطبقية الجامعة، أو تعدد المستوى المعيشي لطلابها، وتحديداً أولئك الطلاب الذين لا ينتمون إلى الطبقة الاقتصادية العليا. اذ يوجد نسبة غير قليلة من الطلاب يعتمدون على المساعدات المالية أو المنح الدراسية لإكمال تعليمهم. هؤلاء بالتأكيد ليسوا مرفّهين في حياتهم، وأي زيادة في الاقساط تعني ببساطة تضييقاً اقتصادياً على ذويهم.

الخوض في هذا النقاش يتطلب التذكير بكثير من الأحداث، من أهمها التحركات الواسعة التي قادها طلاب الجامعات الخاصة في أواسط القرن الماضي للمطالبة بإنشاء جامعة وطنية. يومها قدمت الحركة الطلابية شهداءاً في سبيل ذلك. وليس المغزى من ذلك إستعادة "تضحيات" طلاب الجامعات الخاصة، بل للتدليل على أن الكثير منهم كانوا يرغبون بقيام جامعة لبنانية. وهذا ما لا يزال موجوداً حتى وقتنا الحالي، فمن السخيف الجزم بأن معظم طلاب "الأميركية"، على سبيل المثال، لا يفضلون التعلم في "الجامعة اللبنانية". لكن واقع "اللبنانية" يجعل من الجامعات الخاصة ملاذاً للراغبين بتأمين مستقبلهم التعليمي.

من جهة أخرى، يستند الطلاب، خصوصاً منظمي هذه التحركات، إلى الارث التاريخي للجامعة. مثلاً في السنة الماضية، استعانت الحملات الاعلانية والتشجيعية للحكومة الطلابية والنوادي المنظمة بأحداث العام 1974، مستغلة التوجه اليساري لتلك التحركات. من هنا، لا يبدو النضال الطلابي في الجامعة خالياً من مضامين يسارية، خصوصاً لجهة الرفض التام لتحويل صرح تعليمي الى مؤسسة اقتصادية، أو لناحية ادراج الطلاب لبند يتعلق بأجور الموظفين في صراعهم مع الادارة. حيث ان الأرقام التي نُشرت، في السنة الماضية، أظهرت ان زيادة الأقساط لا تنعكس زيادة في الأجور.

والحق يقال ان تجربة السنة الماضية ساهمت، إلى حد كبير، في ترسيخ معايير جديدة على الصعيد الجامعي. فبالرغم من عدم تحقيقها كامل المطالب، الا انها أعادت الطالب الى مسؤوليته في المحاسبة والمطالبة. وهذا ما يبدو تهديداً للكثير من المصالح السياسية في الجامعة، فبعد التدخلات السياسية الواضحة في السنة الماضية لوقف التحرك، تعاطت الحكومة الطلابية هذه السنة مع هذه المسألة بتراخ غير مفهوم. على أن هذا التعامل ليس مستغرباً في ظل سيطرة ممثلي الأحزاب على الهيئة الادارية للحكومة، على عكس العام الماضي الذي شهد وصولاً لممثلي "النادي العلماني" الى هيئتها الادارية.

ورغم كل الاعتراضات والانتقادات التي تطال نضال طلاب "الأميركية"، لا يبدو أن ذلك سيوقف تحركاتهم، لأنها ببساطة تمثل مساحة للتعبير عن رفضهم للظلم. قد يصح القول ان حرم الجامعة يشبه مساحة بعيدة عن الواقع اللبناني، لكنها مع ذلك تمثل تجربة للوعي الشبابي اللبناني، الذي يفرض وجوده على ادارة الجامعة في كل عام، ويشكل إلى حد كبير عقبة أمام استمرارية سياساتها الاقتصادية، بحيث يفرض عليها انتهاج معاملة مغايرة. ومن يسعى إلى إحداث تغيير في الواقع السياسي اللبناني، وإلى استعادة حقوق المواطنين، لا يمكنه ان يتجاهل أي تحرك، حتى لو لم يستفد منه شخصياً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها