الثلاثاء 2015/02/10

آخر تحديث: 14:09 (بيروت)

سائقة السرفيس

الثلاثاء 2015/02/10
سائقة السرفيس
في ردّها على ما تعرضت له لا تستعمل الا لغة ذكورية
increase حجم الخط decrease
صعدتُ مرة واحدة مع سائقة سرفيس في بيروت. لا تختلف هذه المرأة الأربعينية عن السائقين الآخرين، بل تعيش في الصورة النمطية لسائقي السرفيس. ترفع الكلفة مع ركابها، تشتم الدولة والأوضاع كل حين. حتى انها تحاكي النموذج الذكوري في رؤيتها للسائد. فمثلاً، وخلال هذه المرة الوحيدة، شتمت فتاة في الشارع بسبب ارتدائها تنورة في وقت متأخر، بدل أن تكون في "بيت أهلها".


لا تتحدى هذه المرأة النظام السائد بقدر ما تدخل فيه، فتتبنى قوانينه ومفاهيمه رغم انها تعمل في مهنة "لا يتيحها" هذا النظام للنساء. وهذا ما يظهر بوضوح أكثر في فيديو مسجل لها كان قد انتشر مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي، تخبر فيه حادثة تحرش سائق سرفيس آخر بها. والفيديو تم التداول به أساساً بسبب الشتائم التي صدرت عنها. وجاء رد فعلها العنيف هذا بعد أن وصفها السائق "بمن ينقصه الشوارب"، هازئاً من تطفلها على مهنة مخصصة للذكور، فدخولها الى هذا المجال بمثابة كسر لنظام سائد، بدا كأن السائق يحمل مسؤولية الدفاع عنه.

وهي في ردّها عليه لا تستعمل الا لغة ذكورية. فقد افتتحت حفلة الشتائم ناعتة الرجل بـ"عضوها الذكري". وتقمصها لصورة الرجل من لوازم المشكل، فلا شيء يسعفها في اهانته، ورد اعتبارها، غير "لغته"، أي دخولها في النظام اللغوي القائم. أهانته بلغته وتعابيره، لكنها تعرف انها إمرأة، وبأن شتيمتها هذه تلحق به أذى مضاعفاً، خصوصاً إن حصل ذلك أمام عيون الناس.

في الفيديو، تخبر المرأة أن أفراداً من الدرك شهدوا على ما قامت به، وبدأوا بالضحك على الرجل. واستدعاؤهم الى الرواية لا يعود الى موقعهم "القانوني" فحسب، بل كممثلين للسلطة الذكورية، التي تَفترض انها تواجهها. فتقول إن السائق خجل من نفسه أمام عناصر الدرك، محاولاً إسكاتها برفع يده.

وما يبدو ملفتا أيضاً أنها، في آخر القصة، استذكرت أن لها زوجاً لا يمانع عملها "على السيارة". وهذا ما لا ينتقص من رجولته، فخروجها من المجال الخاص الى المجال العام لن يلحق العار به. فهو لا تنقصه الرجولة، بحسبها، لأنه يملك عضواً ذكرياً ضخماً يُؤكدها (رجولته) عبره. وجاء استحضاره في آخر الفيديو ليضع الأفعال التي تحيل اليها الشتائم محل التنفيذ، فهي تستعين بجسده لتُهين غيره، طالما أنها لا تملك ما تشير إليه.

يُظهر هذا الفيديو مأزق هذه المرأة. فهي تريد الدفاع عن نفسها أمام تحدّ ذكوري، في لحظة خروجها عن السائد، لكنها أجبرت على تبنّي النموذج نفسه، ولم يكن أمامها أي خيار آخر سوى أن تكون رجلاً في مهنة الرجال، أو أن تتمثل الرجل، على الأقل، في مجالـ"ه" العام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها