الأحد 2015/01/04

آخر تحديث: 14:11 (بيروت)

صيدا الـمُتلفزة

الأحد 2015/01/04
صيدا الـمُتلفزة
نرث عن آبائنا، من دون تدقيق أو نقد، ثقافة مبنيّة على الصور النمطيّة والأحكام المسبقة (Getty)
increase حجم الخط decrease
لعلّ الحرب "الأهلية" التي دامت 15 سنة قد انتهت، لكن يبدو أن آثارها على اللبنانيين لم تنته بعد. فعلى الرغم من صغر حجم لبنان، ما زال تعرّف لبناني على آخر، من منطقةٍ أو طائفةٍ أخرى، تحدٍّ لا ينجح فيه الكثيرون، بسبب التّشبّث بالصّور النّمطيّة والأحكام المسبقة وما يرافقها من خوفٍ من المختلِف وتجنّب الذهاب إلى "منطقته". 


وكان لالتحاقي بجامعة في بيروت، ومجيئي من صيدا، أن أعطيا الكثيرين فرصةً لاختبار أهل صيدا جميعاً من خلالي، ناهيك عن كمّ النّكات والإستهزاء الذي سمعته عنهم. وللحقيقة، فإن هذا الموضوع مفهوم إذ بات اللبنانيون معروفين بنكاتهم حول أكثر الأشياء ألماً. هذا من ناحية. لكن من ناحيةٍ أخرى، ما هو غير مقبول –لكنه مهفوم أيضاً- هو أن نرث عن آبائنا، من دون تدقيق أو نقد، ثقافة مبنيّة على الصور النمطيّة والأحكام المسبقة في تصوّرنا وتعاملنا مع الآخرين أولاً، ومع العالم ثانياً.

الغريب، في مسألة صيدا، أن شخصيّة "أبو طلال الصيداوي" التلفزيونية قد تركت في أذهان الكثيرين صورةً نمطيّة عن أبنائها، خصوصاً لناحية اللهجة والبساطة. وأذكر أغنية "صيدا ستايل" التي جعلت السيناريو الطبيعي لتعرّفي على أي شخصٍ جديد على النحو الآتي: - إنتِ من وين؟ - من صيدا - أوبا صيدا ستايل. ولكن أبو طلال على خفّة دمّه وجماهيريّته لا يمثّل أهل صيدا، ببساطة. بيد أن غياب أي شخصيّة تمثيليّة صيداويّة عن الميديا، والتلفزيون تحديداً، يفسّر انطباع صورته في أذهان الناس على أنّه "الصيداوي" وخصوصاً في ظل الدور الكبير لهذه الوسائل، وشبه الوحيد، في عمليّة التعرف على حياة الآخر.

لكنّ أحمد الأسير استطاع أن ينسي اللبنانيين أبو طلال و"صيدا ستايل". فكان لتصريحاته وأحداث عبرا والتسجيلات التي نشرها في ما بعد دور كبير في تغيير صورة صيدا من مدينة "جبل النفايات" إلى مدينة "أحمد الأسير" و"الإرهابيين". وكان للظهور المفاجئ وغير المألوف لشخصيّة كالأسير أن استحوذ على انتباه جميع اللبنانيين، بغض النّظر عن موقفهم منه.

في الحقيقة، فإن مبالغة الإعلام المقصودة أو لا في إبراز هذه الشخصيّة وإعطائها حجماً يفوق حجمها الحقيقي أدّيا أولاً إلى تثبيتها في أذهان اللبنانيين كصورةٍ ممثلة لأهل صيدا. وثانياً إلى جعل صفة "الإرهاب" صفةً عامة بحجم المدينة كلها. ويأتي هذا، بطبيعة الحال، في ظل غياب صوت صيداوي قوي وبارز إعلامياً يعبّر، في اتجاه معاكس، عن جميع أهل صيدا أو بعضهم على الأقل. زد على ذلك غياب أيّ أنشطة عامّة في المدينة تشجّع الناس على زيارتها والتعرّف إليها عن قرب. فصيدا لم تظهر في الإعلام في تغطية مباشرة إلا في حادثة عبرا على وجه الخصوص لتبقى فيما بعد عالقةً في الأذهان.

على أن صيدا لا تحتاج اليوم إلى ربط اسمها بما هو جميل في الإعلام، بل تحتاج إلى تمثيلٍ حقيقي لها بحلوها ومرها، وأن تزيح عنها ارتباط اسمها بالرموز السياسيّة والمعنوية، شأنها في ذلك شأن المناطق اللبنانية الأخرى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها