الأربعاء 2014/07/09

آخر تحديث: 12:56 (بيروت)

عيد ألمانيا والبرازيل

الأربعاء 2014/07/09
عيد ألمانيا والبرازيل
كان لبنان ليلة أمس في عيد وجزءاً من العالم (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease


لبست "شورتاً" وقميص كتان خفيفا تحسباً لأن يكون المنزل الذي سأسهر فيه لمتابعة مونديال ألمانيا والبرازيل غير مجهز بمكيف، أو أن يكون مجهزاً به لكن اشتراك المولد لا يحتمل تشغيله إضافة إلى أدوات كهربائية أخرى.

كان لبنان، ليل أمس، فرحاً. لا أصوات تلفزيونات تنقل وقائع انفجار. ولا هواء مفتوحا لبرامج "توك شو" رديئة. كل شيء كان هادئاً، كأن لبنان في عيد.

الجميع كان ينتظر المبارة. وقد أتى ابن أختي لينام عندنا، تحسباً لانقطاع الكهرباء في الجبل حيث يصيّف، وقد كان أباه في العمل ولا أحد عندهم يمكنه أن يشغل المولد ما قد يعرضه لتفويت "الماتش".

كان جوزيه مزهواً، وقد بلل شعره بالماء قبل أن يرافق شقيقتي أول السهرة لمتابعة المبارة في السوق التي ما زلنا نناديها سوقاً مع أن وظيفتها تبدلّت وكادت تتحول إلى شارع مطاعم ومقاه، لكنها ما زالت سوقاً في "قاموسنا"، والأرجح أنها ستبقى ذلك.

نام أبي بعد نهار حار، وربما متعب، وترك المروحة الحديد تدور وقد ارتخت براغيها وقوي صوت دورانها لكننا اعتدنا عليها مثل اعتيادنا على أشياء كثيرة لا نرغب فيها ولا نريدها.

وأمي، مع أنها لا تبالي بالمونديال وقد انهمكت في خياطة أوجه الكنبات بعد إصلاح ماكينتها "السنغر" وتزييتها، لكن لا شك أنها شعرت أن مساء أمس شبيه بأعياد الصيف وكأنه عيد مار الياس أو عيد السيدة. الفارق الوحيد بالنسبة إليها أن لا أصوات مفرقعات، ولذلك تشعر أن عيد "المونديال" هادئاً وعذباً و"ما أحلاه عيدا".

لست معتاداً أن أتابع شيئا في المقهى. آخر مرة كنت في المقهى وحدث شيء مهم كان في 11 أيلول 2001. لذلك جلست أمام البيت أشرب عصير التوت البارد مع الثلج وأفكر عند من سأحضر المباراة، وفي أي منزل يمكن أن تكون الحماسة أقوى.

في النهاية زرت نجيب، بعد أن رأيته هو الآخر جالساً أمام البيت يقلب في تلفونه، وقد حسمت خياري لأنّ والده مع البرازيل وقد يتحمس، لكن مجريات "الماتش" ونتيجته جاءت غير متوقّعة، لدرجة تحث على التفكير في صعوبة توقّع المستقبل عموماً، مع أن كثيرين عندنا يجزمون في ما لا يحتمل الجزم. لكن يبدو أنهم واثقون من أنفسهم، ولا أحد يمكنه إقناعهم بغير قناعاتهم. وربما هم يريدون المراجعة لكن لم يعتادوها ولا يقبلونها على أنفسهم، مع أنّ التغاضي عنها لن يكون بلا نتائج كارثية وقد بدأنا نشهدها ونحسها.

كان لبنان، ليلة أمس، هادئاً. مرّ خبر تسلل "داعش" إلى عرسال وقتلها رجلا كانت قتلت ابنه قبلاً، لكنه لم يستوقفنا كثيراً، مع أننا سألنا كيف علم معد الخبر وموزعه أن هؤلاء القتلة "داعشيون"!

المهم أن لبنان كان أمس يتفاعل مع العالم. أن لبنان كان جزءاً من العالم، لا ساحة نفوذ إقليمية أو ساحة نصرة أو جهاد. واشتقنا لأن يكون لبنان جزءا من العالم، يفرح ويغني ويهيّص و"يزرّك".

مللنا "القضايا" التي أقحمنا ونقحم فيها من غير أن نسأل رأينا فيها، وقد أتقن البعض استثمارها رغماً عن أهلها، وقد بات مكشوفاً. وكلما انكشف أكثر وأحفق أكثر ارتبك أكثر، لكنّه "ما بدّل تبديلا".

المهم أن لبنان كان ليلة أمس في عيد. أنه كان جزءاً من العالم.

increase حجم الخط decrease