الخميس 2015/09/03

آخر تحديث: 15:36 (بيروت)

حراك بيروت: السياسة لاحقاً وليس الآن

الخميس 2015/09/03
حراك بيروت: السياسة لاحقاً وليس الآن
كشف الحراك عن إختلافات عميقة في الرؤية الفكرية للمنظمين والمتظاهرين على السواء (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease
ما تشهده بيروت في الأسابيع الأخيرة من تحرّكات مطلبيّة وإحتجاجيّة لها علاقة بموضوع النفايات تحديداً يعتبر أضحم تحرّك "لاطائفي" في لبنان ما بعد الحرب الأهليّة. كيف ينظر إلى هذه التحرّكات وما قيمتها الإيجابيّة لتحقيق المطالب من جهة ولبناء جسم تغييري في لبنان من جهة أخرى؟


لجهة تحقيق المطالب، يركز منظّمو حملة "طلعت ريحتكم" على حصر المطالب بحلّ بيئي لأزمة النفايات واستقالة وزير البيئة، ومحاسبة وزير الداخلية وقوى الأمن بعد الإعتداء على المتظاهرين، وهي مطالب جيدة وذكية.

جيّدة لأنّها تأخذ في الاعتبار شعبويّة الحراك التي لا تعكس رسالة سياسيّة صلبة في الوقت الحالي، مما يجعل أي مطالب سياسيّة الآن كالدعوة إلى إنتخابات على أساس النسبيّة (المطلب الذي تركّز عليه حملة "بدنا نحاسب"، والذي لطالما أحبّه يسار الممانعة) تشكّل خطراً قد ينهي صعود الحراك. فالسير بمقولة "تحسين شروط العيش ضمن المعادلة السياسية المأزومة"، كما قال سامر فرنجيّة في إحدى كتاباته على فايسبوك اليوم، وبالرغم من تجاهله إرتباط مشاكل النظام الطائفي ببعضها البعض، إلّا أنّه على الأقلّ يُبقي الحراك "مطلبيّاً" وواقعياً، ويبعده عن التسييس البحت الذي سيظهر إختلافات كبيرة بين المنظمّين والمشاركين على الأرض، كما يمكن أن يوقع الحراك في فخ "الآذاريين"، الذين يمكن أن يوافقوا على المطالب السياسية نفسها وفقاً لمصلحة كل منهم.

ويعتبر حصر المطالب أمراً ذكياً، في ادراكه أنّ النّاس يحتاجون إلى رؤية نتائج سريعة من نزولهم إلى الشارع، لتفادي اليأس والملل، اذ ان وضع مطالب محدّدة و"واقعيّة" نوعاً ما يُسهّل تحقيق نتائج سريعة وملموسة تزيد من حماسة الشارع.

أما لجهة التمهيد لبناء جسم تغييري في لبنان، فإنّ هذه التحرّكات لها نتائج إيجابيّة لا تعدّ ولا تحصى. فعدد الحملات المستقلّة اللاطائفيّة التي تابعناها على صفحات الفايسبوك كبير جدّاً، وهذا يعني أنّ آفاقاً جديدة كثيرة تفتّحت أمام جيل "ما بعد 8 و14 آذار" للدخول في العمل السياسي والمطلبي من خارج الزواريب الطائفيّة الضيّقة.

كذلك، فإنّ هذا الحراك أرجع وسط بيروت للنّاس، وهو الذي كان قبل الحرب نقطة إلتقاء جميع الناس من مختلف الطبقات والطوائف. اللبنانيون الذين لا يحتكّون كثيراً مع بعضهم البعض خارج الأطر الطائفيّة يجدون في الشارع مكاناً يجعلهم يدركون أنهم ليسوا مختلفين بل متشابهين في شيء واحد هو: الجميع مدعوسون من نظام ساديّ. أيضاً، وهذا شيء إيجابي على المدى الطويل، فقد كشف هذا الحراك بوضوح عن إختلاف عميق في الرؤية الفكرية للمنظمين وعن إختلافات عميقة بين المتظاهرين في كيفيّة رؤية لبنان (منهم من يرى أنه يجب أن يحكم بـ"الجزمة"، ومنهم من لا يحب الأرزة على سبيل المثال). فأن تتكشفّ هذه الفروقات أفضل من أن لا نعرفها، كي تصبح كل خطوة سياسيّة لاحقة أذكى وأمتن. زد على ذلك، أنّ المنظّمين جميعاً عرفوا أيضاً حجم الضرر من غياب عمل سياسي سابق للتحرّكات منظّم وممنهج في المناطق والنقابات، فكان هذا الحراك بداية للتنظيم السياسي وليس نتيجة له. وفي كلتا الحالتين ليس الواقع سيّئاً إذا تمّت الإستفادة منه بأقصى ما يمكن.

خلاصة القول: نجاح هذا الحراك يكمن في مطلبيّته المخصّصة لبناء قاعدة شعبيّة جديدة يمكن أن تعمل في "السياسة" لاحقاً وليس الآن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها