الأربعاء 2015/07/22

آخر تحديث: 13:44 (بيروت)

نفايات بيروت.. كما لو أن سكان المدينة سيرحلون

الأربعاء 2015/07/22
نفايات بيروت.. كما لو أن سكان المدينة سيرحلون
كما لو أن بيروت تنتظر مصير مدينة رحل عنها أهلها بعد فشلهم في إستخدام التكنولوجيا للتطوّر (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease
يحرّك عامل النظافة مكنسته إلى الأمام ثم إلى الوراء، مزيلاً الغبار المتكوّم على الرصيف، وبعض أعقاب السجائر والمحارم المتسخة. بعدها، يجمّع ما تدحرج مع شعيرات المكنسة ليؤلف كومة صغيرة من الزبالة، يرفعها بخشبتين مستطيلتين، ويمشي بهم حوالي المترين، ثم يلقي بالكومة الصغيرة فوق الكومة الكبيرة من النفايات، التي تتكدّس على الجانب الآخر من الرصيف. 


هكذا، تتغير تكاوين بيروت على نحو تدريجي، من دون أن ينتبه أحد إلى ذلك. فخلال ثلاثة أيّام، خُلقت هضاب جديدة في المدينة، لا تزال في أولى مراحلها، بينما يتوقع بعد سنة مثلاً، ان تتحوّل بيروت إلى "طلعات ونزلات" تسلّي المواطن حين يقود سيارته إلى العمل صباحاً. وهذا ما سيرافقه تطور متوقع في التكوين البيولوجي لسكان المدينة، ليكونوا متوافقين مع البيئة المحيطة بهم، فتختفي عندهم حاسة الشمّ بحيث لا تزعجهم أية روائح، أو يختفي الأنف، لانعدام فائدته.

وبعدما رُشّت أكوام النفايات بالبودرا البيضاء، والتي تشبه اللوحات الخيالية المستقبلية السلبيّة، وقف رجل سبعينيّ في الحمرا وأطلق ضحكة هستيرية، وردّد: "منستاهل! وصلت الحال بالدولة لتعاقبنا على غبائنا بإغراقنا بالنفايات، ولا زلنا لا نحرّك ساكناً". ثم قال: "لا بيئة ولا من يحزنون، القصّة كلها مصالح.. عم يلعبوا فينا"، ثم أطلق ضحكة أخرى ومشى.

ويقابل يأس الرجل العجوز يأس شبابي. فميرا مثلاً، التي تبحث عن طرق للهجرة، أضافت نقطة سوداء إلى سجّل النفور من بلدها، "الآن إنكشفت الصورة الحقيقية للبنان، إنّه مزبلة"، تقول. وتضيف بعد الشكوى من عدم قدرتها على استعمال سيارتها للذهاب إلى عملها لأن النفايات متراكمة في وسط الشارع، "البقاء هنا هدر للطاقات والصحة. ومع الوقت أتمسك أكثر بفكرة الرحيل".

أمّا أليسار فتفسّر الأزمة كالتالي: "الموضوع محاصصات. هناك شركة واحدة تستثمر في جمع النفايات وتربح أموالاً من ذلك، ممّا أثار غيرة حيتان المال الآخرين في البلد، فتحججوا بالمسألة البيئية من أجل أخذ حصّة من الأرباح. وبدلاً من تقاسم المصالح تحت الطاولة، الآن يريدون أن يلعبوها على المكشوف. أنت لك شركتك في منطقتك، وأنا لي شركتي في منطقتي.. وإضافةً لإغراقنا بالنفايات، يلعب المسؤولون بمصير مئات العمال من شركة سوكلين، الذين يجلسون في منازلهم بإنتظار معرفة ما إذا كانوا سيفقدون عملهم أم لا".

وأمام التحليل والتذمّر، يحاول بعض الأهالي أن يخففوا من حجم الكارثة، من خلال تعميم ارشادات، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتنظيم الزبالة قبل رميها على الطرق، كالتأكد من وضع النفايات التي تنبعث منها الروائح في أكياس محكمة والتخفيف من حجم النفايات عبر تمزيق علب الكرتون قبل وضعها في الأكياس لتأخذ مساحة أقلّ، والإحتفاظ بالعبوات الزجاجية الفارغة في المنازل حتى إنتهاء الأزمة. لكن مشاهد تلال النفايات في الشوارع تبدو أصعب من حلها بهذه الارشادات، كما لو أن بيروت تنتظر مصير مدينة رحل عنها أهلها بعد فشلهم في إستخدام التكنولوجيا للتطوّر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها