2016: ديستوبيا الخيال العلمي

وليد بركسية

السبت 2016/12/31
في شهر آب/أغسطس الماضي، انتشر مقطع فيديو للروبوت صوفيا التي تتمتع بميزة الذكاء الصناعي، وهي تقول بجدية كبيرة أنها ستدمر البشر في المستقبل رداً على سؤال "بريء" من صانعيها في شركة "هانسون روبوتكس" الأميركية حول الموضوع، وراجت حينها نقاشات كثيرة عبر السوشيال ميديا ووسائل الإعلام، حول جدوى التكنولوجيا وطبيعة المستقبل الذي ينتظر البشرية في المستقبل القريب، مع تساؤل عام: هل سيتمرد علينا الرجال الآليون؟


هذا الواقع المظلم، ليس جديداً تماماً، فقبل ذلك بشهور، عرض الموسم الثالث من مسلسل الخيال العلمي "The 100"، وفيه تدمر الذكاء الصناعي "آلي" البشرية بإشعالها حرباً نووية على الكوكب لا ينجو منها إلى فئة مختارة ترسل إلى الفضاء الخارجي للحفاظ على الجنس البشري، التدمير هنا لم يكن لقتل البشر أو انتقاماً منهم، بل إنقاذاً لهم من مشاكلهم التي لخصتها آلي بسبب وحيد هو "تزايد عدد السكان على الكوكب".

وطوال العام 2016، كانت شبكات التلفزيون الكبرى تتسابق على تقديم مسلسلات الخيال العلمي السوداوية، كموضوع رائج مشترك "Theme" هو الأبرز في السنوات الأخيرة تلفزيونياً، وإن بلغ ذروته هذا العام مع أعمال ضخمة حصدت العديد من الجوائز وابتعدت عن الإثارة التقليدية التي تتميز بها أعمال الخيال العلمي القديمة، السينمائية تحديداً، بالتركيز على الطرح الفلسفي الهادئ (بلاك ميرور، 3%، مستر روبوت،..).

ومع قصور السينما في السنوات الماضية عن تقديم أعمال مبهرة وتحول الإنتاجات السينمائية نحو المبالغات البصرية وأعمال الأبطال الخارقين، وجد كثير من الفنانين أنفسهم في التلفزيون الذي يعيش عصره الذهبي، حيث تفسح شبكات تلفزيونية كبرى مثل "نيتفليكس" للمشاهدة حسب الطلب و"HBO" للفنانين والكتاب والمخرجين بتقديم أفكار لامعة وتطويرها في شكل سلاسل تلفزيونية قصيرة "Mini Series"، وهو الشكل الفني الأفضل لطرح أفكار الخيال العلمي السوداوية بشكل موسع وجذاب، مع إمكانية توزيعها عالمياً بفضل البث عبر الإنترنت "Streaming".

والحال أن مصادر التشاؤم كثيرة ومبررة، فالعالم يعيش سنوات مضطربة من العنف والدموية والصراعات في عدد من المناطق، مع وجود حرب باردة بين حضارات متصارعة وفق أفكار الفيلسوف الأميركي صامويل هنتنغتون التشاؤمية، كما شهد العام 2016 أحداثاً مقلقة مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، فضلاً عن يأس إنساني عالمي تغذيه مخاوف اقتصادية، وكأن الحضارة الإنسانية تعيش حالة انتقالية من مرحلة حضارية إلى أخرى.

وفيما يجنح العلم نحو المثالية في تصوره للمستقبل البشري ضمن يوتوبيا لا مشاكل فيها على الإطلاق، تحاول المسلسلات تقديم النقيض تماماً في طرحها للتساؤلات الأخلاقية المصاحبة للتطور التكنولوجي تحديداً، وهي تساؤلات لا إجابات لها في نقاشات الإعلام أيضاً، كما أنها نقاشات عالمية، ومن هنا تأتي جاذبية تلك المسلسلات التي تأتي من إنتاجات متنوعة (البرازيل، بريطانيا، الولايات المتحدة، النروج، ..)، وتنطلق من فرضيات الحتمية التكنولوجية والقيامة الإلكترونية.

وهنا لا ترتكز "ديستوبيا" المستقبل على عناصر كلاسيكية مثل الصراع الاقتصادي بين الرأسمالية والشمولية مثلاً، مثلما كانت عليه في الروايات الأدبية الكلاسيكية مثل 1984 لجورج أورويل، أو الصراعات السياسية وفكرة الحكومات القمعية فقط، بل تقدم طيفاً أوسع وأشمل من ذلك، وترتكز بشكل خاص على أخلاقيات التكنولوجيا (بلاك ميرور، 3%،..) والصراع الخفي بين شركات التكنولوجيا الكبرى وعالم السياسة التقليدية (مستر روبوت،..).

في ضوء ذلك، تركز الأعمال عامة على المستوى الفردي، أي كيف ستكون حياة كل فرد ضمن المجتمعات المستقبلية، ومن نحن كبشر في المستقبل، هل سنندمج بالتكنولوجيا إلى حد سنصبح فيه نصف آليين (بلاك ميرور) أم أننا سنكون آلهة بكل ما تحمله الكلمة من معنى (ويست وورلد)، كيف سنحب ونتقابل ونتواصل وكيف سنموت أم اننا لن نموت؟ وهل ستنهار الحضارة البشرية بسبب الحرب الكونية "The 100" أم أن التطور سيحول البشر إلى وحوش عن طريق الخطأ مثلاً "IZomie"، وهل التكنولوجيا هي الدين الجديد للبشرية (3%).

ومن النقاط المشتركة في كافة هذه الأعمال، النقاش حول دور الحكومات في تنظيم المجتمعات الإنسانية مهما اختلفت الظروف المسنقبلية، والتي يشار لها بكونها خائنة للجنس البشري عموماً من أجل مصالح فردية تغذيها الأطماع والجشع بالثروات ومصادر الطاقة (Under the Dom، مستر روبوت،..) وهي حكومات غالباً ما تكون قاصرة وتقليدية وضعيفة أقرب إلى دمى تحركها قوى تكنولوجية تراقب الجميع عن بعد وتوجههم لأنها أصلاً متوفرة لدى الجميع باعتبارها أساس الحياة.

وقد لا ترتبط كثرة إنتاجات هذه النوعية من المسلسلات بالتشاؤم من المستقبل فقط، فهي في جوانب كثيرة منها تنقد الواقع الحاضر نفسه لكونه سبباً فيما سيحصل في المستقبل (بلاك ميرور، مستر روبوت، ..)، مع تحول السوشيال ميديا إلى أسلوب جديد للحياة البشرية، قد يقتل كثيراً من الصفات الإنسانية التقليدية، كطبيعة التواصل المباشر مع الآخرين أو تحديد مفهوم "الأنا".

من اللافت هنا أن أبرز أعمال العام "Stranger Things" الذي يدور في حقبة الثمانينيات يندرج أيضاً ضمن فئة الخيال العلمي السوداوي، فالأحداث التي تدور في الماضي على علاقة مع أحداث غامضة في المستقبل المظلم، بعد فناء البشرية وسيطرة كائنات غامضة على الكوكب!

ومن المرجح أن تستمر مسلسلات الخيال العلمي السوداوية كموضوع رائج طوال العام القادم، فالموسم الرابع من "The 100" ينطلق قريباً والذي يرصد تحديات جديدة للبشرية الناجية من الأزمة النووية، وكذلك الموسم الجديد من "بلاك ميرور"، فيما أجلت شبكة "HBO" الموسم الثاني من "ويست وورلد" إلى العام 2018 علماً أنه أحدث الأعمال التي استقطبت نجوماً سينمائين، الحديث هنا عن أنتوني هوبكينز الذي يلعب بشكل مدهش، دور "الرب - البشري" الصانع للحياة الآلية في المستقبل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024