الخميس 2015/09/03

آخر تحديث: 17:08 (بيروت)

مأزق ١٤ آذار

الخميس 2015/09/03
مأزق ١٤ آذار
تعيش قوى 14 آذار مأزقاً تجب معالجته بمصارحة النفس بالفشل السابق (تصوير: علي علوش)
increase حجم الخط decrease

أحسب ان في ثنائية الثامن والرابع عشر من آذار الكثير من المبالغة. ١٤ آذار حقيقة سياسية قائمة وهي تعبير عن التقاء طيف كبير من اللبنانيين، عابر للطوائف على حد أدنى من المشتركات السياسية البديهية، التي اختصرها شعار الحرية والسيادة والاستقلال. عمومية الشعار اختصرت تلاقي مشاعر العديد من اللبنانيين على رفض الوصاية السورية. بين هؤلاء من رفضها من الاساس وبينهم من ما عاد يطيق التعايش معها.


على العكس من ذلك، فإن الثامن من آذار ليست قائمة الا كإنطباع. الثامن من آذار هي حزب الله اولاً واخيراً، يضاف اليه أيتام نظام الاسد من بعث وقومي ورواسب اسلامية ومسيحيي النظام الأمني وسنته. حتى التيار الوطني الحر الذي وجد في تفاهم مار مخايل بابه الى الشراكة مع حزب الله، ظل يحرص بشكل انفصامي وهذياني على التذكير العلني انه ليس في الثامن من آذار بل يحمل مشروع ١٤ آذار ويمد يده للآخرين في الوطن!


بهذا المعنى فإن الثامن من آذار هو إسم حركي لحزب الله في حين أن ١٤ آذار هي جسم سياسي مركب ومعقد، تتجاور فيه قوى إجتماعية وسياسية حديثة وافراد مكتملو الفردية، مع قوى حزبية تقليدية.


وبهذا المعنى فإن التظاهرات الاخيرة والحراك السياسي والاجتماعي اللبناني، يحرج ١٤ آذار أكثر مما يحرج حزب الله. فهذا الكيان السياسي لا يلام فقط على الفساد وقلة الكفاءة كما هو الطعن المهيمن على خطاب المتظاهرين، بل يلام بشكل مضاعف نتيجة فائض الادعاء بتمثيله الشرعي لمشروع الدولة والعبور اليها والذي بقي متعثراً لسنوات عشر لأسباب كثيرة موجبة وأخرى غير موجبة على الاطلاق!


عليه، بدت ١٤ آذار أكثر ارتباكاً من خصومها حيال الحراك، ولم يتفوق عليها في الارتباك الا “البارانويا” السياسية العونية التي وصلت حد مطالبة التظاهرين بإعادة قضاياهم لمن يملك حقوقها الحصرية في سابقة سياسية لم تعهدها السياسة، أي سياسة!
مؤسف أن لا تجد ١٤ آذار ما تخاطب به الغضبة الشعبية الا الحكمة والموعظة الحسنة او خطاب التخويف من إحتمالات الاستثمار في الحراك المحق.


فالحكمة المضجرة التي عبر عنها بيان الامانة العامة لـ ١٤ آذار صادرة عن جسم سياسي، قاربت قيادته على الجلوس في سدة القيادة طوال الفترة التي حكمها بشار الاسد منذ العام الفين وحتى اندلاع الثورة عام ٢٠١١، من دون اي تجديد حقيقي يذكر ومن دون اي ابتكار تنظيمي يستوعب ثراء التنوع الذي تحتضنه هذه الحركة السياسية المجيدة.


أما في التخويف فبدت الحركة فاقدة لأي مشروعية في تصدير التحذيرات بشأنه. صحيح ان حزب الله، قادر على ركوب اي موجة متاحة للمضي قدماً في برنامجه ومشروعه، وصحيح أن إحتمال نجاحه في خطف التحرك هاجس ينبغي اخذه بعين الاعتبار، لكن الصحيح ايضاً ان قوى الرابع عشر من آذار لا تمتلك مشروعية التحذير من هذا الاحتمال.


فهي عقدت كل انواع التسويات مع حزب الله وتراخت كثيرا في طبيعة المواجهة الداخلية معه ما أفاده أكثر بكثير مما قد يفيده الاستغلال المحتمل للحراك. استكانت انتفاضة الاستقلال، تحت وطأة القتل،  ولاحقاً الاهمال العربي، استكانت الى تلزيم نهاية حزب الله لمسارين: الثورة السورية التي ينبغي ان تنهي نظام الاسد والمحمكة الخاصة التي ينبغي ان تنهي قيادة حزب الله. في الحالتين بدت لعبة الانتظار طويلة واستنزفت الحركة الاستقلالية اكثر بكثير مما استنزفت حزب الله.


البلد تغير. ثمة جيل جديد، بصوابه وأخطائه ما عاد يُخاطب باللغة والشعارات القديمة. وهذا جيل اقرب في الكثير من عناوينه الى روح الحركة الاستقلالية، بقدر ما هو بعيد عن القوى السياسية التي تمثله.


هذا مأزق كبير لكل المعنيين بالحركة الاستقلالية، والتعامل معه يبدأ بمصارحة النفس ان الفشل السابق لا يعالج بلعبة اللوم او الاعترافات المسرحية التي مارستها الحركة الاستقلالية في مهرجاناتها الاخيرة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها