السبت 2014/11/29

آخر تحديث: 15:22 (بيروت)

حكي جردي: غنـَّتْ عَلْبَساطة وعاشتها

السبت 2014/11/29
حكي جردي: غنـَّتْ عَلْبَساطة وعاشتها
increase حجم الخط decrease

ماتت صباح.

سبحانَ صوتها الباقي، لا يفنى ولا يموت، توحَدَّ بالعزّة والبقاء، وأفرَحَ عشاقَه بالحب والغناء.

**  **  **  **

 

هنا صنعت الشحرورة جنتَها.. هنا قالتْ للجميع: هاكم كتابي في حياتي، وفيه حورُ عيني وجنتي وأنهارٌ من الغناء والتصالح مع الذات وحب التجربة، فآتوا بما أتَيْتُكم به إن كنتم صادقين.

**  **  **  **

 

تركت فيروز بأغانيها الرائعة بصمة كبيرة على الكثيرين من أبناء جيلي وجيلٍ سبقَ وجيلٍ لحقَ، لكن صباح تركت أكثر من وشم جميل فينا. فبينما دأبت أم زياد على إتقان نحت التمثال في إطلالاتها الغنائية على الكثـُرِ من مريديها وعاشت تحت كنف رحابنتها، كانت الشحرورة تصنع نموذجها العفوي في الغناء والعيش من رمل وحُبّ، تعجنه وتسويّه وتجربه مرات ومرات هنا وهناك لتبعث فيه كل الحياة التي رغبت فيها.هي دلتنا أن الأخيرة تكمن فقط بين عتمتين، وأنها ذلك المتحرك المتحول الذي يمضي في بحثه لا يستقرُّ ولا يهدأ .

غناء صباح دعوة مستمرة لنا لعلاج ما تبقّى من أعمارنا الخاسرة بالحب والفرح اللذين لا يكونان إلا بالتلقائية والرغبة.   

**  **  **  **

 

علّمتنا الشحرورة بأن الغناء لا يكون في حسن الأوتار الصوتية فقط، بل في تلك العفوية التي تخلق التناسقَ والتناغمَ والتآلفَ بين مختلف أوتار الحياة.

لطالما أعارتنا جناحيها كي نطير.

**  **  **  **

 

الأوف التي أطلقتها صباح ذات ليل ما تزال أصداؤها تتردد في مسرح الأولمبيا الفرنسي والكثير من مسارح العالم.

غداً أو بعد غدٍ سينسى اللبنانيون أسماء السياسيين الذين يكدشون الشاشات على امتداد ايامنا ويجعرون من هناك بأرذل القيء الذي يعومون فيه، أما صباح فباقية ما بقي البحر المتوسط يحمل تلك الأوف إلى أهل صقلية الذين كلما تناهت إلى مسامعهم تنادوا للرقص والشرب والفرح.   

**  **  **  **

 

قلّة من المبدعين استطاعوا فعلاً أن يؤنسوا وحشة أعمدة بعلبك، جانيت فغالي واحدة من تلك القلّة القليلة.

**  **  **  **

 

كُتِبَ الكثير على وسائل التواصل الاجتماعي من العناوين والتعليقات التي تناولت بالسخرية صباح عقب تداول خبر موتها، ذلك يدلّ على أن الذين فعلوا ذلك –عدا أنهم يسكنون في التفاهة- هم مرضى نفسيون، وأكثر ما يحتاجونه لكي يشفوا هو الإنصات إلى الشحرورة وهي تصدح برائعة الملحن السوري سهيل عرفة "علبساطة البساطة"، تلك الأغنية التي غنتها، وعاشتها.

**  **  **  **

 

فرّقت الطوائف والمذاهب والملل والعصبيات اللبنانيين بينما عملت صباح على توحيدهم حين دعت -بعيشها الحرّ- من يضع لجاماً ونَضْواً على وجهه إلى خلعهما لأن ذلك العيش المنشود يكمن في الجهات الأربع.

هي اشتغلت عمراً كاملاً كي تطرّزَ صباحات اللبنانيين بأجمل الحُب، بينما هم تفنّنوا بالعمل على إنقاص أعمارهم وحقن لياليهم بالحقد.

**  **  **  **

 

خذلتنا الإيديولوجيا، بينما سامحتنا صباح التي لم تتخلَّ يوماً عن أرواحنا الكئيبة.

**  **  **  **

 

أخبرْني إن كنتَ معجباً بحياة الصبّوحة أو لا، أقول لك من أنت.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها