تسريبات رومية: الشمال يغضب بسقف منضبط

تجاوزت طرابلس قطوعاً خطيراً بالأمس بعد إنتشار مقاطع مسجلة لتجاوزات في سجن رومية بحق سجناء اسلاميين، على الرغم من أن موجة الإحتجاجات في المدينة مستمرة بدعوة من "هيئة العلماء المسلمين" بعد صلاة التراويح في باحة معرض رشيد كرامي الدولي.

أوحت التحركات، بعد الضجة التي احدثها تسريب التسجيلات، أن طرابلس دخلت مرحلة خطيرة ستستعيد خلالها مرحلة سوداء مع ملف لا يزال يهدد أمن المدينة في أصغر تفصيل فيه، خصوصاً مع استمرار المماطلة في محاكمة المحتجزين، من دون أن تسلك الوعود بتسريع المحاكمات طريقها الى التنفيذ.

"بروفا" الشارع مرت على خير، لكن تداعياتها لن تنتهي، ولو كانت مساعي "الهيئة"، ومعها تطويق وزير العدل اشرف ريفي غضب الشباب، خففت من حدّة المتوقع. لكن وفق مصادر مطلعة على الملف لـ"المدن" فإن "عدم حل المشكلة سيؤدي بالشارع الى الغليان". وملف الموقوفين الذي يتضخم في استثماراته السياسية وضع الزعامات السنية، وعلى رأسهم رؤوساء الحكومة نجيب ميقاتي وسعد الحريري وتمام سلام امام إختبار حقيقي.

وكان الخلاف السياسي حول الملف أبقاه ملفاً "غب الطلب"، تتم استعادته وفق الظرف السياسي. اذ كسب اسلاميو الشمال ومعهم تيار "المستقبل" و"العزم" والنائب مصباح الاحدب مراراً جولات في السياسة منه. وليس جديداً ما يتم الحديث عنه وما ينقله الاهالي عن حجم الانتهاكات الحاصلة في المبنى "دال"، لكن المستغرب هو توقيت هذا التسريب.

السؤال الصعب لا يزال مطروحاً في الشارع وفي يوميات أهالي المدينة وجوارها، الذين خرجوا أمس وهم يصرخون ضد "السياسة الامنية" المتبعة من قبل جهاز أمني مكلف بتأديب واصلاح السجناء وليس تعذيبهم، والمشابه، كما ذكر أكثر من بيان تنديدي لـ"صورة السجون في نظام الاسد".

بدا الشارع الغاضب متروكاً لحاله. لا احد يريد ان يتحمل عقبات مؤازرته، وتفجيره والذهاب به الى مواجهة مفتوحة، قد يستغلها تنظيما "داعش" و"النصرة". والملاحظ ان دعوة "الهيئة" الى فتح تحقيق شفاف، وعدم التصعيد بخطوات على الارض، دلالة ان السلفيين ومشايخهم لن يورطوا المدينة وناسها في اي تحرك لا تحمد عقباه.

وفهمت خطوة "الهيئة" على انها مبتورة، في وقت من غير المتوقع ان يتجه تيار "المستقبل" الى طلب الاستقالة من وزيره، على الرغم من الاحراج الذي تسبب به أمام جمهور متروك لاحتمالات خطاب "غير معتدل".

واذ يؤكد مصدر سلفي في اتصال مع "المدن" ان دعوة الهيئة الى صلاة التراويح مساء ومناصرة الاخوة في صلاة جماعة والدعاء لهم، هي "دعوة شكلية"، الا انها "تنفس من الغضب الذي ستؤججه التصريحات المنددة من هنا وهناك"، مشيراً الى خطورة الموقف الحاصل. داعياً الى "تحرك علمائي - سياسي - أمني لمنع اي استغلال للملف"، موضحاً ان "الشارع دخل في بروفا تستدعي الجهوزية لمرحلة ما بعد الفيديو، مما سيصعد من لغة المظلومية، ويحرك الشارع السني من الشمال الى الجنوب، وهو ما سيستفيد منه اولا واخيرا حزب الله".

انتشار فيديو "التعذيب الوحشي"، كما سماه مصدر مطلع على الملف في اتصال مع "المدن" ستكون له ارتداداته في مناطق سنية اخرى، وطالب بـ"استقالة" الوزير المشنوق، الذي "دان نفسه في تصريحه الاول حول ما حصل في المبنى حينها، وهو يؤكد بثقة انه لم تحصل اي ضربة كف"، مشيراً الى ان هذه "الممارسات ستخلق أرضية لنصرة داعش في الشارع وستدفع كل هؤلاء الى الانضواء في تنظيمات تكفيرية وظلامية ولن تردهم اي قوة". ولا يستبعد المصدر، ان "يشكل المساجين، خصوصاً، اؤلئك الذين تتعلق ملفاتهم بقضية الضنية وملف فتح الاسلام، مظلة شعبية، تؤسس لأمور خطيرة، لن يستطيع احد احتواءها". ويؤكد المصدر ان "نساء الموقوفين وامهاتهم متروكات من دون رجال، وربما سيعمل اي طرف غير معتدل لتبني هذا الملف، وسحبه الى مكان يتعدى الدولة اللبنانية واي تيار سياسي".

وثبت لدى الاهالي، الذين قالوا جهاراً وبشكل دائم ان اولادهم يتعرضون لانتهاكات وأبلغوا كل المسؤولين المعنيين بها، أن ما قاله المشنوق ان السجناء لم يتعرضوا لأي أذى، كان منافياً للواقع، وهو موقف يوقع "المستقبل" في أزمة مع جمهوره. خصوصاً ان الشمال لا يزال متعاطفاً بشكل مطلق مع ملف الموقوفين وذويهم.

وكان عدد من المواطنين تحركوا في القرى العكارية وقطعوا الطرقات بالإطارات المشتعلة، وانطلقوا في مسيرات منددة بالانتهاكات التي تعرض لها السجناء، كما قطعت الطريق الدولية عند مستديرة العبدة وفي البداوي. وأقدم مجهولون على رمي قنبلتين يدويتين في كل من التبانة وطريق المعرض في طرابلس.

وشهدت ساحة النور تظاهرة ضخمة وصل عدد المشاركين بها الى 1400 شخص، وعمل "حزب التحرير" وحده على تبني التحرك، الذي يؤكد ان لا تصعيد في الشارع، وان سقف المطالبات سيحال حتماً الى القضاء وداخل البيت السني الواحد.