الأحد 2015/08/23

آخر تحديث: 15:47 (بيروت)

إنكشاف عورات الطبقة السياسية

الأحد 2015/08/23
إنكشاف عورات الطبقة السياسية
تخبط سياسي وضياع أمني (المدن)
increase حجم الخط decrease
خرج مشهد الأمس في شوراع بيروت بنتيجة وحيدة، لم تعد الطبقة السياسية قادرة على ستر عوراتها، انفضحت وهي تدرك ذلك، وتدرك أن الشعب يعلم، لكنها لم تكن تتوقع أن يخرج كثر رافعين شعارات علمانية ومدنية ومعيشية واقتصادية واجتماعية، وهي الطبقة التي عوّلت مرارا على صراعاتها الطائفية لحماية نفسها وشد العصب الطائفي في مواجهة العصب الطائفي المقابل.

قبل اسابيع قالها رئيس مجلس النواب نبيه بري علناً: "لولا الطائفية لاندلعت ثورات في البلد". وبالأمس بدا أن "حزب الله" وتيار "المستقبل" أقرب من أي وقت مضى إلى بعضهما البعض. كلاهما يدرك أن هذه النقمة تطالهما مباشرة، وتطال كل السياسات المتراكمة في البلد، ولا تستثني حتى الشارع الطائفي، مارونياً كان، أو سنياً أو شيعياً.

ما حصل بالأمس بدا أنه فضيحة لم تطل حزبا واحداً، بل تطال طبقة سياسية برمتها حتى تلك التي تروج لنظريات أنها خارج إطار الطبقة الحاكمة وعلى أنها الى جانب الشعب. وفق ذلك بدا أن "التيار الوطني الحر" يغرد بعيداً مجدداً عن الشارع الذي خرج تحت شعارات مطلبية وليس تحت شعار "حقوق المسيحيين"، محاولاً التماهي معه!.

محاولة "التيار" هذه، لم يعد من الممكن تسويقها في الشارع، وهو الذي قدم بالأمس صورة مكررة للنمطية الحزبية عبر توريث صهره جبران باسيل رئاسة التيار، وعبر تعطيل البلد من اجل صهره الآخر شامل روكز، مقلداً بذلك الإقطاعية السياسية اللبنانية، الممتدة من الشوف وصولاً الى زغرتا.

ليس ذلك فقط ما يعري "التيار الوطني الحر". قد تكون أزمة النفايات بعيدة عنه فعلياً، لكن ماذا عن أزمة الكهرباء، والمليارات التي صرفت والوعود التي أغدقت، وفاطمة غول، ليتبين بعد أعوام من استلام التيار لهذا الملف بأن الحق على اللاجئين السوريين وخيمهم التي تفتقر الى أدنى مقومات الإنسانية.

ليس "التيار الوطني الحر" وحده من يعاني من أزمة شعارات وتواصل مع الشارع، بدا بالأمس أن ذلك معمم، من تيار "المستقبل" وبيانه المتأخر الذي اقتبس فيه من خطابات حسني مبارك، زين العابدين بن علي وبشار الأسد، جملة "نتفهم مطالب المتظاهرين"، إلى "حزب الله" الذي يبدو أن انشغالاته في سوريا حالت دون اصدار ولو موقف او بيان مما حصل، وهو النهج الذي يتبعه عند كل أزمة معيشية اقتصاية وكأنه خارج إطار "الطبقة الحاكمة"، وهو تماماً ما حصل مع أزمة النفايات في الضاحية، جمعها، وحرقها على مقربة من المطار مهدداً سلامة الطيران، فقط من أجل امتصاص اي نقمة في الشارع، وبالتالي حل المشكل بأقل ضرر شعبي ممكن، بغض النظر عن النتيجة.

ينسحب هذا التخبط على الجميع. لا يستثنى حتى تلك الأحزاب الخارجة او غير المشاركة في السلطة، والتي حاولت بالأمس التماهي مع الشارع من دون ان تنجح، لكن الكارثة السياسية كمن في طريقة التعاطي الأمني، الذي استخدم فائض القوة، للمرة الأولى ربما من أحداث مار مخايل الشهيرة قبل إنتخاب ميشال سليمان رئيساً.

ما حصل بالأمس، سياسياً وأمنياً، يرقى الى مستوى الفضيحة، خصوصاً أن العنف استمر لساعات من دون ان يخرج أحد ليوقف هذا المشهد المقيت، وعندما استفاقت الطبقة السياسية، رفعت المسؤولية عنها. قرر حرس المجلس النيابي أن يصدر بياناً يخبر فيه أن مهامه تنحصر في المجلس، وهو الذي مارس كل أنواع التصرفات الميليشاوية في 7 أيار الشهير. الجيش أيضاً اختار التلطي، على الرغم من ان كل الصور والتسجيلات تثبت أنه شارك في العنف المفرط. لكن الأدهى بقي في خروج وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق متأخراً، ليقول إنه خارج لبنان، وانه لم يصدر أمراً، وان قوى الأمن الداخلي ليست وحدها المسؤولة. تصريح بدا امتداداً لكل الأنظمة القمعية، بعد إدراكها لما ارتكبته أيديها، على الرغم من أن الجميع يدرك أن ما حصل لا يمكن أن يكون بلا أمر سياسي واضح.

بدا أن يوم أمس فتح مرحلة جديدة. مرحلة لم يعد فيها من الممكن ستر عورات الطبقة السياسية. سبقت ذلك اعترافات بالجملة، خصوصاً لبري ورئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط، بالفساد والمشاركه فيه، وسوء الإدارة. اعترافات تضع الطبقة السياسية أمام خيار وحيد، إما اصلاحات بنوية تطال كل مؤسسات الإدارة وتقمع الفاسدين الى اي جهة انتموا، ولاحقاً اصلاحيات سياسية بنيوية وفق "الطائف"، تنقل البلاد الى مرحلة جديدة، بعيداً عن طروحات تقاسم الجبنة أو تعميق الشرخ الطائفي مثل "المؤتمر التأسيسي".. وإما استمرار التناتش السياسي ورمي المسؤوليات واستغلال ما يحصل من قبل كل طرف لتحقيق مكاسب سياسية، تخدم أطرافاً خارجية، لن تفيد مع الانهيار الكلي للدولة والدخول في المجهول.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها