الإثنين 2015/09/21

آخر تحديث: 18:33 (بيروت)

بيروت:الابتذال البروليتاري والليبرالي

الإثنين 2015/09/21
بيروت:الابتذال البروليتاري والليبرالي
سوق أبو رخوصة بابتذاله البروليتاري هو الوجه الآخر لنقولا شماس بابتذاله الليبرالي
increase حجم الخط decrease

لم ينجح الربيع العربي حتى الآن في محطاته الكثيرة في إنتاج خطاب سياسي أو ثقافي أو قيمي يوازي حالة الاعتراض الشعبي. بقي الاعتراض افقياً، مسطحاً، عابراً كل شيء وبلا نخب تصيغه الى أفكار محددة. في مصر عادت عقارب الساعة الى الوراء وإستعيدت “المباركية” بلا “مبارك”. نصف الثورة ونصف الانقلاب أطاحا بحكم الإخوان المسلمين لتتقدم الدولة العميقة، بما هي الجيش الى صدارة المشهد.


في ليبيا سقط مع القذافي كل شيء. سقطت الدولة والمؤسسات والعقد الإجتماعي الذي كانه القذافي نفسه، بشخصه.


أما سوريا فتدرجت من الثورة السلمية الى الثورة المسلحة الى الحرب الاهلية الى تحولها ساحة للارهاب الدولي، وصولاً الان الى كونها ساحة لإعادة إنتاج ميزان القوى في الشرق الاوسط في ظل الإنسحاب الأميريكي منه، وتحديداً من بوابة وصول  موسكو الى اللاذقية!
أما اليمن حيث اختلطت منذ البدايات الحرب الاهلية بالثورة فقد باتت ساحة حرب عربية ايرانية، وساحة اعادة إنتاج ميزان قوى إقليمي بين محوري الرياض وطهران!


ولئن كانت تونس، دولة الربيع الاولى، قد استفادت من الارث المدني الدولتي الذي ارسته دولة الحبيب بورقيبة وحافظت على هياكله الاساسية تجربة زين العابدين بن علي، بقيت تونس قاصرة عن التحول نموذجاً، وبدت شمسها بعيدة لا تشع أبعد من حدود زمنها الانتقالي الحساس.


في كل هذه الساحات، لم تنتج فكرة واحدة تتجاوز الشعاراتية الغاضبة، أو القيم الاولية كالحرية والكرامة من دون تصورات نظرية وعملية ومؤسساتية تسند التوق الى الحرية والكرامة. وبدا المثقف العربي ممجوجاً وبعدة اشتغال عاطلة عن الانتاج خارج منطق الاصطفاف هنا أو هناك.


لا أعرف إن كان يجوز ادراج الحراك الذي يشهده لبنان ضمن تنويعات الربيع العربي. فللبنان دائماً خصوصيته التي تلتحم وتنفصل عن محيطها وفق آليات غامضة أحياناً ووفق سياقات حادة في خصوصيتها.


لكن القاسم المشترك بين الحراك والربيع العربي هو الافلاس الثقافي والفكري وعدم تجاوز ما حاول الحراك إثارته من نقاش، الغضب المشروع على فشل النخبة السياسية المولودة بعد الطائف في تقديم أبسط الخدمات التي ينتظرها مواطن وهي معالجة النفايات! لم تتقدم فكرة واحدة حتى الان خارج دائرة الشتيمة والقدح والذم، ولم تتقدم اطروحة منسجمة غير النوستالجيا المرضية لجيل يحن الى بيروت لم يعشها ولم يتفاعل معها خارج دائرة الاستعادات الارشيفية. بل ان الكثير من السجال المطروح حول وسط بيروت يفتقر الى الوقائع الصرفة والمعطيات الحقيقية ويساجل بالانطباع والاشاعة والتهمة!


سير المدن هي سير تحولاتها، وبيروت كبقية المدن لا تحاكم وفق عدسة الحنين المرضي.وهل كانت بيروت أصلاً كياناً ثابتاً لم يتغير ولم يتبدل الى أن جاء مشروع اعادة الاعمار!!! هل بيروت الستينات هي  بيروت التي يحن لها بعض اهل الحراك؟ هل هو حنين لبيروت العربية، ام العثمانية، ام بيروت الانتداب، ام بيروت الجمهورية الاولى، ام بيروت الشوارع والجادات الكبرى التي شقت بعد ثورة العام ١٩٥٨ ومزقت النسيج التقليدي لأحياء بيروت الشعبية، ام بيروت الحرب الاهلية، ام بيروت اعادة الاعمار؟


أم هي بيروت التي بالتعاون بين بعض الأغنياء فيها ووالي بيروت بكر سامي بك عام ١٩١٥ تم هدم الأبنية القديمة فيها واعيد اعمار أسواقها وأبنيتها على نسق أوروبي، وشقت شوارعها العريضة التي صارت في ما بعد شوارع فوش واللنبي وفخر الدين (شارع المصارف الحالي).


بعض الحنين الذي استثمره عسس الامن في فترة صراعه مع رفيق الحريري يعاد انتاجه اليوم، علم الحراكيون أم لم يعلموا، والهدف ما زال تصفية الحساب مع مغامرة اعادة اعمار بيروت ووضعها على الخريطة.


وبموازاة هذه الحنين المزيف، تندلع نقاشات مبتورة في الاقتصاد والصراع الطبقي بلا اي ركيزة واقعية او علمية، وهو ما مثله بأعلى درجات الاهتراء مشروع “سوق أبو رخوصة”، في الوقت الذي تسعى فيه شوارع المدن اللبنانية وشوارع بيروتية (بربور مثلاً) لمحاكاة الالق الذي مثلته اسواق بيروت.


هكذا بدا سوق أبو رخوصة بإبتذاله “البروليتاري” الوجه الاخر لنقولا شماس بإبتذاله “الليبرالي”، والذي حاول رفيق الحريري وحيداً مواجهته يوم اصطدم بممانعة الممانعين لمشروع تحرير الوكالات الحصرية والذين تصدرهم آنذاك الرئيس المقاوم إميل لحود!
للاسف يُستغل هذا الحنين اليوم في اعادة انتاج روايات العسس الامني بلا اي افق ثقافي او حراكي حقيقي، يغني النقاش حول المدينة واعادة اعمارها. والاخطر انه يؤسس لذاكرة تسقط الاسباب الموضوعية التي ضربت الدولة والمدينة والسياسة والنظام والمؤسسات والدستور وربما الكيان برمته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها