الجمعة 2015/03/27

آخر تحديث: 13:18 (بيروت)

إعلام...

الجمعة 2015/03/27
إعلام...
(الصورة عن الإنترنت)
increase حجم الخط decrease

في لبنان مشكلة كُبرى ما انفكت تتنامى مهددة بالأسوأ.

هي لا تتمثل بملايين "الأخوة" غير اللبنانيين الذين ينافسون ويتنافسون على الفقر والفوضى وضيق العيش، ولا تُختصر بأفاعي الطبقة السياسية المتناسلة على سدّة تولي الأحكام، ولا تنحصر بالإنفلات المتسيّد على جميع المستويات.

هذه المشكلة الأساس ليست في ما يشغل بال الرأيين الخاص والعام في البلد من أزمات وتعقيدات معروفة وموصوفة على طريقة "دقّي واعصري". المشكلة بل المصيبة تتجسّد في واقع ظاهره اللطف والكياسة وشعاره اللهاث خلف الأحداث لتوثيقها وتقديمها إلى المواطن باسم حرية الرأي والقول والمعرفة...

هذه المشكلة ــ المصيبة إسمها الإعلام... بمعنى عملية "صيد" الخبر (أو ابتداعه)، ومن ثم نسج حكايته فنشره وإذاعته، ودائماً "بما يتوافق مع المصلحة".

الإعلام... لكن ليس كل الإعلام. وأكاد أقول الإعلام الموجّه بإمرة المال الحرام والمصالح التخريبية. فكل تلك الجهود المركبة والمضنية في البحث عن الخبر واستقصائه وتجميعه وتوثيقه وتحريره وبالتالي بثّه، تحوّلت في "إعلام الفتنة" إلى عملية توجيه للأحداث وتصويرها بما يراد لها أن تكون عليه، وليس كما هي في واقعها وكما هي كائنة، و"تفقيس" أخبار  مختلقة أو مشوّهة عند اللزوم تُلبّي الطلب بتجريم الخصم وتثقيله ثم رميه في بحور الشائعات وبالتالي هدر دمه. بهذا النمط من الحرب الجرثومية تعمل الكثير من "القيادات" الحالية فـ"تقتني" وسائل إعلام كما كان نبلاء أوروبا القرون الوسطى يقتنون كلاب صيد، وتحرص على تشغيلها من قبل أطقم مؤهلة من مرتزقة أكفاء في مجالات إشاعة التحاقد وتأليب الأقوام وتزيين الفتنة برفعها إلى مصاف الواجب، وتسمية الخروج على القانون ثورة والدعوة إلى القتل والسحق والذبح، وبالتالي "صناعة" رأيٍ عام معتوه يلبي غرائزه المستعادة... وهذا يبني أرضية خصبة لتنامي زهور الشرّ، فينقلب الإعلام أداة فتّاكة تخصص لها أحدث تقنيات التواصل العصرية مع كفايتها من المشهّيات المالية بما يجعلها أقدر على إثبات سواد اللبن ونزع الدبس عن الطحينة.

بفعل هذه القوى التي لا تُقاوم ينشط الإعلام المشار إليه في تسويق تخرّصاته  ونشر مُختلقاته بيننا كل يوم بل كل لحظة، ويضمن وصول مراسيله بألف طريقة وطريقة بحيث لا يفلت من شِباكها أحد، لا سيما وقد باتت "الموجزات" و"الفلاشات" و"الأخبار العاجلة" وشتى ابتكارات وصرعات وسائل التواصل الحديثة، إدماناً لبنانياً جماعياً لا يستغني الأقوام عن جرعاته التي يتناولونها في بطالاتهم وفي بيوتهم وفي الشوارع وفي مقار العمل وفي مختلف المهارب التي يمكن أن يهرعوا إليها.

نعم. مصيبة اللبنانيين هي في الإعلام. وهذا لا يعني أن الإعلام كلّه مصيبة. فالأمر  ــ لتقريب الصورة ــ مثل فسلأسأأسٍ مذهّبة، يمكن استخدامها لتشحيل شُجيرات الورد، ويمكن استخدامها لسلخ جلود الرؤوس في سبيل مسخها وجعلها وقوداً للشيطان. الحال أنه يجري "تصنيع" أتباعٍ بلا رؤوس وجمهور من العميان، يجري دسّهم في كلي المعسكرين الآذاريين. يطبّل هؤلاء فيزمّر أولئك، فتنجلي الصورة عن تشكيل جديد: أحد الطرفين الآذاريين يصبح إبليس نفسه شخصياً، وقد تجسّد بهذه الجماعة فحلّ هدر دمه، ويتجلّى الطرف الآخر على أنه الملاك الطاهر بعينه وقد هبط من جوار الرحمن مفضلاً الإقامة بجوار خطوط التماس بين الزاروبين المتعاديين... فيزدهر الفرز وتأخذ خطوط التماس بفرك عينيها كمن استيقظ من نوم.

ما العمل؟

هذا الإعلام المفتن ليس ساذجاً ولا غبياً ولا هو أقلوية. ومعالجته بالغسل والتنظيف لن تكون مجدية لأن الفحم لا يبيّضه الغسل المتكرر.

أحدهم يقترح النقع في الكلس الحيّ. فلنصوِّت برفع الأيدي...

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب