الإثنين 2015/06/22

آخر تحديث: 15:36 (بيروت)

سجن رومية: نكبة وطنية لا طائفية

الإثنين 2015/06/22
سجن رومية: نكبة وطنية لا طائفية
نشأت هذه الدولة بين جيران، لا يؤمنون سوى بالعنف وسياسة العسكر (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

ليس ما كشف عن سجن رومية استثناء. ليست هذه الممارسات المقززة حكراً على بعض العناصر، والمستهدفون ليسوا إسلاميين من أتباع الطائفة السنية فحسب. يبدأ السقوط هنا، في الحصر. وفي ابقاء المساحة للفتنة، لتتحرك، على وقع تصوير الأمر بأنه جزء من استهداف "الطائفة". لا شك أن المخطط أكبر بكثير مما يحصل داخل أروقة رومية. ثمة من أراد القول لهذه الطائفة أن الدولة غير موجودة، وهي عدو، وبالتالي لا خيار لكم سوى تنظيم "داعش" وجبهة "النصرة".

على سوداوية ذلك، إنجر الجمع بغالبيته إلى ما يراد لهم ويخطط، على الرغم من أن ما سرّب، على قسوته، لا يمكن وضعه في سياق إستهداف الطائفة السنية. أبعد من ذلك كله، ثمة الكثير من التساؤل عن مردّ الإستغراب الذي أحيط به الفيديو المسرّب. كأن البعض أتى من كوكب آخر، ليُفاجأ بما هو ممارس في أقبية الدولة اللبنانية، أو كأن مشاهد التعذيب هي حكر على رومية، وغداً عندما يسرب أي جديد من أي مخفر، أو سجن، أو قبو، ستكون المفاجأة مضاعفة. ربما! وربما يصدق البعض أن الدولة التي فشلت في إنتخاب رئيس للجمهورية، هي دولة ديموقراطية تنافس سويسرا ودول أوروبا في قضايا حقوق الإنسان والدفاع عنها.

للتذكير، فقد نشأت هذه الدولة بين جيران، لا يؤمنون سوى بالعنف وسياسة العسكر وسلطتهم لفرض الأمن. نظرية سادت من ليبيا معمر القذافي، الى عراق صدام حسين، وما بينهما من مصر حسني مبارك وقبله جمال عبد الناصر، إلى سوريا الأسد. تاريخياً أيضاً، أجهزة الأمن اللبنانية، ربيبية هذه الأنظمة التي دربتها، وطورتها، وعملت على إدخال عقائدها التوتاليتارية الى صلبها. فكانت الدولة اللبنانية نموذجاً عنها، وإن بصيغ مستترة وأقل حدّة وأكثر مواربة، تحت ستار الدولة الفريدة في محيط عسكري.

وفق ذلك النهج أيضاً، نشأ "المكتب الثاني" أيام حكم اللواء فؤاد شهاب، قبل أن تدخل البلاد في عصر الحرب الأهلية التي أضافت الى ما سبق أساليب المليشيات ذائعة الصيت، وتخطت في ذلك الوقت أساليب "داعش" من دون أن يكون للطفرة الإعلامية الحالية وجود. ذاع صيتها، قبل الحرق الداعشي على نمط ما حصل مع معاذ الكساسبة. وانتشر أسلوب رمي الأحياء من أسطح البنايات، قبل أن يمارسه التنظيم المستجد. ولا يزال فندق "هوليدي إن" شاهداً، يقابله نظيره "برج المرّ".

هذه الإرتكابات كلها لم تُمحَ بعد من أذهان اللبنانيين. وممارسات الحرب ما زالت حاضرة، وجاهزة للإستخدام متى دعت الحاجة، لأن نهج ما بعد الحرب الأهلية، لم يعمل على إزالة هذا العنف من النفوس، مدنياً وعسكرياً، خصوصاً في زمن الطوائف والجماعات وصراعاتها. أبعد من ذلك، ليست الممارسات في مؤسسات الدولة، ربيبة النظام السوري أو الأنظمة العسكرية العربية وحدها. هي ربيبة لبنانية صرفة أيضاً، ساهمت الأنظمة المحيطة في تغذيتها، وتجديدها. ولم يتم العمل بعد تأسيسها عن سابق تصميم وتصور، على العبور الى دولة حقيقية، تُكرّس فيها حقوق الإنسان، وتقوم مؤسسات مبنية على العدالة وانتظام العمل، ومحاسبة المخالفين والمرتكبين.

ليس ما ارتُكب استهدافاً للطائفة  السنية. هو مشهد مكرر من 7 آب المسيحي، أو مار مخايل الشيعي، أو غيرها من التواريخ السوداء في أجندة القمع اللبناني الصرف، الذي تثور عليه الجماعات الطائفية فقط في حال استهدفها، فيما تصمت عنه أو ترحب به إن كان موجهاً ضد الآخر.

لطالما كررت المنظمات الدولية، وجمعيات مدنية لبنانية، الإضاءة على هذه الإنتهاكات، والتنديد بها، من دون أن تستمع الدولة والمسؤولين. في العام 2014 صدر تقرير مفصل عن لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة، اثر تحقيقات أجرتها بين العام 2012 والعام 2013، أشارت فيه إلى أن "التعذيب ممارسة متفشية في لبنان تلجأ إليها القوات المسلحة والأجهزة"، وهو ما عد إنتهاكاً لتوقيع لبنان على إتفاقية مناهضة التعذيب في العام 2000، لكن لجنة حقوق الإنسان النيابية كان ردها بشجب التقرير "الجائر وغير الموضوعي"!

هذا النقاش كله، اليوم، لم يبلغ حد الضرورة. ضرورة توسيع النقاش ليطاول كل الممارسات داخل المخافر، والسجون. نقاش يتعدى إطار مظلومية طائفة، ويتخطى إطار قضية محتجزين لم يحاكموا بعد، ليطاول كل أطر عمل المؤسسات اللبنانية قضائياً وأمنياً. لكن ثمة في الواقعية اللبنانية ما يدفع الى التشاؤم، طالما أن فيديو يسرب اليوم لغاية سياسية بعيدة من الإصلاح، لتُطمس غداً عشرات الإرتكابات الأخرى لغاية سياسية أخرى. ثمة في دولة اللادولة إجماع على رفض تأسيس دولة تحترم حقوق الإنسان، وإجماع على إبقاء كل طرف ميليشيا تسعى الى تحقيق مصالحها ضمن الدولة أو خارجها بأسلوب الميليشيات وليس العدل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها