الأربعاء 2015/07/29

آخر تحديث: 15:44 (بيروت)

عن "المجتمع" المهزوم و"النظام" المنتصر

الأربعاء 2015/07/29
عن "المجتمع" المهزوم و"النظام" المنتصر
increase حجم الخط decrease

شاءت الصدف أن تتزامن أزمة النفايات في بيروت وبعض جبل لبنان مع الخلاف السياسي/الدستوري داخل الحكومة حول آلية عملها في ظل الشغور الرئاسي. هذا التزامن كان أكثر ما دفع الناس إلى الحديث عن أزمة نظام في لبنان لم يعد ممكناً إدارة الظهر لها. لكن مع ذلك لا أحد في لبنان، سواء في المجتمع السياسي أو المدني/الأهلي، يملك خريطة طريق للخروج من هذه الأزمة المركبّة والمعقدة، أو يملك بالحد الأدنى اقتراحاً عملياً قابلاً للتنفيذ للخروج من المأزق الراهن، وكأن الأمور متروكة حتى تنضج ظروف محلية وإقليمية تتيح مخرجاً ما للأزمة الراهنة. لكن إلى متى يمكن البقاء في حالة إنتظار في وقت تتفاقم الأزمات وتتمدد من السياسية إلى الاقتصاد والمجتمع؟ وهل يمكن الرهان على أنّ الأزمات المتراكبة لن تخرج عن "انضباطيتها" فتأخذ الأمور نحو انفجارات مجتمعية مشحونة بكل الروافد المذهبية والمناطقية التي لا يمكن الجزم بمآلاتها؟

قبل اقتراحات الخروج من المأزق العام غير المتوفرة حتى الساعة، يجب التوقف عند كيفية الاعتراض على الأزمات المتتالية والمتداخلة سواء على المستوى السياسي أو الأهلي. إذ ليس بلا دلالة أن يأخذ الاعتراض على أزمة النفايات مناحي مناطقية وطائفية ومذهبية تجوّف الإعتراض على النظام من أي مضمون عملي وتشتته. فالاعتراضات "اللامركزية" (بالمعنى الطائفي والمذهبي والجغرافي) على النظام ليست سوى تعويم له، خصوصاً أنّه لا بديل عنه في الأفق المنظور، والتمسك به لا يأتي من صحته وفاعليته أو عدمهما وإنما من الخوف من الذهاب إلى "المجهول" في حال تمّ الإنقلاب عليه. وبالتالي أهل النظام في موقع قوة بخلاف المواطنين المعترضين عليهم. لأنّهم يدركون صعوبة الانقلاب على النظام وعدم وجود أي قوة مجتمعية تغييرية قادرة على الدفع باتجاه تغيير جذري فيه، في ظل سيطرة الأحزاب على المجتمع واستحواذها على الحيز السياسي استحواذاً يكاد يكون مطلقاً.

ويكفي التوقف عند تلويح الرئيس تمام سلام باستقالته للاستدلال على عدم خشية أهل النظام من المجتمع واعتراضاته مهما علا سقفها. فسلام لم يربط استقالة حكومته بأزمة النفايات، علماً بأنها أزمة لو حصلت في بلد "طبيعي" لأدت حتماً إلى استقالة الحكومة، وإنما ربطها أولاً بالخلاف على آلية العمل الحكومي في ظل الشغور الرئاسي. علماً أن بقاء الحكومة بعد أزمة النفايات هو ما يعبّر أبلغ تعبير عن أزمة النظام المتمثلة أساساً باستعصاء إعادة انتاج السلطة الذي يجعل التمسك بما تبقى من الحكم القائم هدفاً وطنياً "سامياً" خوفاً من "الفراغ التام".

واللافت أنّ المجتمع المدني/ الأهلي المعترض في الشارع هنا وهناك، هو إضافة إلى مناطقيته وعصبياته، لا يملك أي سياسة ولا يتفق على أي عنوان سياسي يمكن أن يوظفه في معركته ضدّ النظام. فلو كنا في مجتمع "طبيعي" ومسيّس لكان العنوان الوحيد الصالح اليوم هو المطالبة باستقالة الحكومة. لكن ما يحصل هو عكس ذلك تماماً إذ يتصرف المعترضون على النظام على قاعدة أنهم غير معنيين بالسياسة والسياسيين، وما يهمّهم فقط هو المجتمع وأمنه الصحي والبيئي، وكأنها أمور معزولة عن السياسة. وهم إذا خاضوا في السياسة أطلقوا الشتائم والاتهامات في كل اتجاه، أو اختاروا هدفاً لاتهاماتهم لا صلة له واضحة بالقضية المطروحة، وفي الحالين لا يتم تحديد دقيق للمسؤوليات، كأن المعترضين يصرخون في وجه اللاأحد واللاشيء. وهذا الفصل بين المجتمعي والسياسي إضافة إلى غبائه وسذاجته هو مكسب للنظام بالرغم من كل تخبطاته وضعفه. والأكيد أنّ طريقة تصرف المجتمع حيال أزمة النفايات وعدم تسييسها بالشكل الصحيح، سيوفران للنظام مضادات حيوية تتيح له التغلب على التهاباته الكثيرة. إذ أكدّ المجتمع المدني/الأهلي في لبنان مرة جديدة أنّه بلا أي وظيفة سياسية. وهذا ليس في نهاية المطاف سوى انتصار للسياسيين والنظام وهزيمة لـ"المجتمع". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها