الإثنين 2014/09/15

آخر تحديث: 16:10 (بيروت)

ايران.. العبور الى الدولة

الإثنين 2014/09/15
ايران.. العبور الى الدولة
إيران عبر الجعفري، على طاولة الحرب على الإرهاب (تصوير: أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
ما أشبه النقاشات المندلعة اليوم في الوسط الممانع منذ اجتماع جدة الاسبوع الفائت بتلك التي اندلعت عشية التحضيرات لعملية حرية العراق عام ٢٠٠٣ بقيادة واشنطن بغية الإطاحة بنظام صدام حسين. 

اليوم كما في تلك الايام، تدخل مكونات محور المقاومة المحلية بسياسييها وإعلامها مربع الارتباك، مغلوبة بالمنطق الشعوبي البسيط الذي لا يصلح للتفاعل مع متغيرات ومصالح بالغة التعقيد في الاقليم.
 
في شباط ٢٠٠٣، وكانت الاستعدادات الاخيرة تنجز لبدء اجتياح العراق خلال ايام، خرج امين عام حزب الله حسن نصرالله بخطاب شهير في احتفال نظمته السفارة الايرانية في الذكرى الـ 24 للثورة الاسلامية دعا فيه الى مصالحة وطنية عراقية بين المعارضة ونظام صدام حسين وفق "طائف" عراقي! 

يعلم نصرالله ان كلامه آنذاك كان لزوم ما لا يلزم الا لرعاية حساسيتين. حساسية الوضع الشيعي الداخلي الذي وجد نفسه مصدوماً امام معادلة شيعية صاعدة متحالفة مع "الشيطان الاكبر" في العراق، وحساسية نظام بشار الاسد الذي كان يعرف ان سقوط اول "البعثين"، بحسب عبارة سمير قصير، يعني حكماً بداية مشوار سقوط البعث الاخر. فالمعارضة التي دعاها نصرالله يومها لطائف عراقي مع النظام كانت قد شكلت نفسها وأعلنت اندراجها في المشروع الأميركي من خلال مؤتمر لندن، حيث تلاقت عمائم الملالي مع موفدي السي اي ايه والاستخبارات البريطانية بشراكة مباشرة من ايران. بل ان ما نعرفه اليوم من تسريبات تلك المرحلة لاسيما المفكرة الثرية للديبلوماسي الأميركي العريق ريان كروكر ان ايران كانت اكثر استعجالاً من واشنطن للإطاحة بصدام واكثر سخاء مما توقع المحافظون الجدد بتوفيرها للاميركيين ما تيسر من مكونات عراقية في خدمة مشروع الحرب، بعد ان كانت وضعت بين ايديهم كل مقدرات تحالف الشمال الأفغاني للإطاحة بنظام طالبان في افغانستان وفتحت أجواءها للطيران الأميركي لدواعٍ إنسانية بحسب بيان شهير حينها للخارجية الايرانية!

وها هو التاريخ يعيد نفسه اليوم. يتسلى محور الممانعة بإدارة معركة وهمية حول مشاركة وزير خارجية لبنان جبران باسيل في اجتماع جدة الذي سيكون له ما قبله وما بعده على مستوى تطورات المنطقة والوضعين في العراق وسوريا، مهما كانت التحفظات التي يمكن توجيهها حول رداءة القيادة الاميركية الراهنة.

فيُلام لبنان بحسب منطق محور المقاومة على حضوره اجتماعاً غابت عنه ايران ولم تشرك في حيثياته سوريا وهي المعنية بالحرب على الارهاب، دون ان ينتبه المعترضون الى ان بين الحاضرين في جدة وزير خارجية العراق الشيعي العربي ابراهيم الجعفري وهو ما هو على مستوى التقاطع الأميركي الايراني ومهندس "اعادة الانتشار" الايراني في العراق ما بعد سقوط الموصل! فهل حقاً غابت ايران ليُلام باسيل!!

عليه، كما راعى نصرالله شيعة لبنان وبشار الاسد عام ٢٠٠٣ وسهل عليهم ابتلاع التقاطع الايراني الأميركي الدقيق، يجد محور المقاومة اليوم نفسه امام لحظة مشابهة وانما اكثر ارباكاً. فيومها كانت ايران في صعودها الذي تترجل منه الان رويدا رويدا مما يلزمها بأثمان اكبر للتأقلم مع ما يدور حولها، كما ان هواجس من تنبغي مراعاتهم اليوم اكبر بكثير مما كانته عام ٢٠٠٣ لا سيما في دمشق. 

بعد الموصل، أدركت طهران ان ثمة ما انتهى في طبيعة ادائها السياسي وان الانتفاخ الهائل في نفوذها ونفوذ حلفائها من أحزاب وميليشيات وخلافه دخل مرحلة اعادة التصحيح. التخلي عن المالكي في العراق كان الاشارة العملانية التي أعطتها ايران لتقول ان حماية نفوذها لا يمكن ان تتم بعد الان بإنهاء الدول التي تحتضن هذا النفوذ، أكان عبر الإلغاء في العراق لصالح الهيمنة الشيعية او التطويع في لبنان لصالح قرار سلاح حزب الله. يمكن القول ان ايران بعد الموصل انتقلت في إدارة نفوذها وحماية مصالحها من منطق العبور فوق الدول الى منطق العبور اليها. وهي تعلم ان انخراطها في استراتيجيات اعادة ترميم الدول في لبنان والعراق واليمن سيعني في نهاية المطاف التخلي عن بشار الاسد. وهنا المفارقة:
عبور ايران الى الدولة شرطه خروج الاسد من دولته. 

هذا امر تعرفه ايران جيدا ويعرفه الاسد اكثر. هنا يكمن المعنى العميق لمشاركة الجعفري في اجتماع جدة وهنا مصدر الارتباك الذي يبدو عليه محور المقاومة سياسياً واعلامياً. 
increase حجم الخط decrease