السبت 2014/11/22

آخر تحديث: 15:08 (بيروت)

البقاع: الدولة ترعى المنطق العشائري!

السبت 2014/11/22
البقاع: الدولة ترعى المنطق العشائري!
والدة الحجيري تستقبل ابنها بعد شهر على خطفه (المدن)
increase حجم الخط decrease

 

خرج مصطفى الحجيري الى الحرية يوم الجمعة. خروجه لم يأت تكريسا لسلطة قانون يمنع احتجاز حرية الآخرين، تحت أي ذريعة من الذرائع. بل جاء ليزيد الهوة بين المواطن والدولة. تلك الدولة التي انكفأت الى ما وراء المنطق العشائري في البقاع، وسلمت له، ووصولا الى حد التواطؤ معه احيانا في طي ملفات، بظل أمن ريعي يسهم كل يوم بانتزاع ثقة المواطن بدولته، ويدفعه للبحث عن بدائلها، حتى لو في حضن التطرف.

 

لم يكن خروج مصطفى الحجيري بعملية امنية او حتى نتيجة ضغط مارسته أجهزتها، كذلك الذي اسفر مرات عدة عن ترك مخطوفين آخرين "شريدين" في أحد المناطق الجردية، كما درج اقفال كل ملف خطف في البقاع. وفي الاساس، لم تكن قصة خطف مصطفى وابن عمته خالد تشبه قصص قطاع الطرق الذين يعترضون الآمنين من اقصى جنوب البقاع الى اقصى شماله. بل دخل هؤلاء الى منزله في تعلبايا، ولم يقيموا حسابا لاي حرمة، في حي سكني يوصف بالمربع الامني لحزب الله والجيش اللبناني، على بعد اقل من كلمتر من مركز لمخابرات الجيش اللبناني، واقتادوا خالد ومصطفى في سياراتهم الرباعية الدفع، وهم مكشوفي الأوجه، من دون ان تشفع بالاخير جروحه الناتجة عن عملية جراحية خضع لها.

 

هل تسرعت العائلة في اتهام آل حمية بتنفيذ العملية؟

كشف اطلاق مخطوفي آل الحجيري الخمسة، انها كانت على حق. بل كانت العائلة كما الاجهزة الامنية على معرفة بمكان تواجد الخاطفين تحديداً منذ اللحظة الاولى لاختطافهم. ومع ذلك لا تحرك أمنياً، اقله للضغط على الخاطفين من اجل الافراج عن ضحاياهم. بل على العكس، يعاقب مارسيل، خال مصطفى وعم خالد، لأنه في لحظة من فورة الدم تجرأ على ذكر الجهة الخاطفة وتوعدها.

 

تواطؤ اجهزة الشرعية في نقل رسائل امتعاض الجهة الخاطفة، اضعف ورقة العائلة "الضحية" منذ اللحظة الاولى. في كواليس الضغوط التي مورست عليها، صيغ "بيان" اعتذار ضمني، طلب من مارسيل تلاوته، شرطاً لمقايضته بمصطفى الذي استمر اسير خاطفيه بعد الضغوط السياسية التي مورست، وألزمت الجهة الخاطفة بالافراج عن خالد ووليد الحجيري. كان صعبا على العائلة ان تداس كرامتها ويلزم لسانها على النطق بما تعتبره ظلما وافتراء، ولكن الاصعب عليها رؤية دموع والدة، لا تعرف ذنبا لابنها حتم انتزاع حريته منه، سوى انه من آل الحجيري.

 

تجرع مارسيل الكأس المرة، وبعد ايام من الأخذ والرد، عض على جرحه ونطق بالكلمات التي حُضِّرت له لترضى الجهة الخاطفة، ومرة أخرى بتواطؤ من اجهزة امنية وعدته بأن يكون البيان خلاص ابن شقيقته، ومع ذلك لم يعد مصطفى. ايام مرت، صمتت خلالها العائلة، مفسحة المجال امام المساعي التي دخل على خطها اعيان العشائر العربية، ومرة اخرى بمباركة الاجهزة الامنية، التي لم تقم ولو بمداهمة شكلية، توصل من خلالها رسالة ولو لطيفة للخاطفين بضرورة الافراج عن المخطوفين. وامام التعنت الذي لمسه شباب عائلة الحجيري، فار الدم مجددا. ظن هؤلاء ان باستطاعتهم النزول الى الشارع، هذا الشارع الذي اهدتهم إيّاه الاجهزة الامنية بنفسها، كوسيلة ضغط للافراج عن ابنهم، عندما اقرت بعجزها. ولكن الظلم هذه المرة كان من عناصر مخابرات الجيش الذين ألزموا النسوة والفتيان على مغادرة الشارع بالقوة. ولكن الشارع في المرة الاخيرة كان ممنوعاً عليهم، في ما يشبه التواطؤ المستمر مع الخاطفين، الذين كانوا يجرون تسويات جانبية لتسليم المخطوف. ربما كان واجب هذه العناصر فتح الطريق حفاظا على حرية انتقال المواطنين، خصوصا بسبب توقيت اقفالها مع عبور حافلات المدارس وانتقال الموظفين الى وظائفهم. ولكن ذلك كان ليفهم  اكثر من العائلة لو انها لمست من الاجهزة الامنية نفسها، مسؤولية موازية في التعاطي مع ملف ابنها المخطوف منذ اكثر من شهر، والعمل الجدي للافراج عنه بالطرق القانونية.

 

تعززت عند عائلة مصطفى تلك القناعة الواضحة، بأن الدولة لا تجرؤ سوى على فئة معينة من اللبنانيين، فيما هي اختارت الانكفاء في فرض هيبتها في مكان آخر. وجاءت حادثة بتدعي التي رافقت تنفيذ مداهمات امنية في البقاع لتزيد القناعة، بعجز الدولة عن حماية مواطنيها، من فئة، لم تعد تقيم حسابا في الاساس للدولة، حتى تردعها الاخيرة عن معاصيها.

 

امام هذا التخلي عن دور الاجهزة الامنية وهيبتها في فرض سلطتها، هل يعود مستغربا رؤية ضباط الاجهزة الامنية في دواوين رؤساء العشائر، كشهود على انتصار جهودهم وحدها باستعادة حرية مواطنين، وبمختلف الاثمان؟

لم تكن صورة رئيس فرع مخابرات الجيش اللبناني الجالس في ديوان رئيس اتحاد العشائر في لبنان جاسم العسكر يوم الجمعة، سابقة. قبلها تسابقت وسائل الاعلام على نقل صور لضباط الامن العام والجيش اللبناني في تسلم مخطوفين آخرين داخل دواوين "فاعلي الخير" والمتوسطين مع العشائر، وبعض هؤلاء على علاقة وثيقة برؤوس السلطة السياسية في لبنان.

 

كما لم يعد هذا التسليم بسلطة متقدة للعشائر حكراً على السلطة الرسمية المتمثلة بالدولة، بل عكسه ايضا اجتماع موسع لفعاليات البقاع في دار الفتوى، غازل "نخوة" العشائر في الحفاظ على العيش المشترك.

 

تواطؤ ضمني، يسلم البقاع كله الى منطق العشائر، التي لم يشعر المواطن سابقاً بتفوقها على الدولة، حتى في أحلك الظروف التي مرت بها المنطقة. واذ بالاداء الامني والرسمي والمجتمعي يسهم في تمدد سلطتها الى خارج حدودها التي حصرت داخلها لعقود، بحيث بات المواطن البقاعي يسأل اذا ما تعرض لظلم او سوء هل يشتكي لسلطة امنية ام يتقدم بشكواه مباشرة للعشائر وزعمائها؟ 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها