الإثنين 2015/06/15

آخر تحديث: 13:49 (بيروت)

المسيحيون والدرس الدرزي الصعب

الإثنين 2015/06/15
المسيحيون والدرس الدرزي الصعب
increase حجم الخط decrease

للمسيحيين أن يشعروا بالغيرة من الدروز. هم يتداولون بها على الارجح في ضوء مجزرة قلب لوز، في ريف ادلب، وما استدرجته من ردود فعل اقليمية ودولية.

قتل في المجزرة ما بين ٢٠ الي ٢٣ درزياً على يد النصرة، في حادثة غير معروفة التفاصيل. سرعان ما تنصلت منها النصرة نفسها عبر بيان موقع باسم قيادتها. نجح الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في التخفيف من وطأتها وهول دلالاتها، وقطع الطريق على تكبير الحادثة.

لكن يبقى أن حجم الاستنكار الذي استدرجته الجريمة، في بلد باتت المجازر فيه جزءا من سياق الحياة اليومية، مثير للانتباه. المسألة تعدت التضامن المحلي اللبناني مع الدروز عبر وليد جنبلاط اولاً، وبقية الشخصيات المعنوية والسياسية الدرزية. فالاستنكارات رسمت قوساً من تل ابيب الى موسكو على الاقل.    

في المقابل لم يحظَ المسيحيون في محنة تهجير عشرات الالاف التي أصابتهم في العراق وسوريا، بمثل ما حظي به ٢٥ درزياً، من تضامن واستنكار سياسيين، ظلا خارج حدود المزايدات الحزبية ومنطق النكايات والفلكلوريات الذي طبع التضامن مع المسيحيين، على سبيل توزيع صور بائسة لمسلح يؤدي التحية لتمثال السيدة العذراء أو ما شابه.  

التضامن مع الدروز سياسي وحقيقي وعميق فيما التضامن مع المسيحيين سطحي واعلامي ودعائي. لماذا هذا الفارق؟

جذر المسألة يعود الى القواعد المقررة لما هو رئيسي وما هو ثانوي بين الاقليات. جرت العادة أن تغيب هذه القواعد في تناول مصطلح الاقليات الذي يستخدم اعلامياً وسياسياً، بشكل تعميمي، ويشمل بلا تمييز، كل مجموعة اثنية او دينية او مذهبية قلَّ عددها بالمقارنة مع اكثرية ما مقابلة لها.

تتضح هذه القواعد، في التتبع الدقيق لتقاليد تحالف الاقليات وعلاقاتها، ببعضها البعض. لماذا انتزعت اقليات كالاقلية الدرزية (في لبنان وسوريا وفلسطين واسرائيل)، أو الاقلية المارونية في لبنان، والمسيحية في جنوب السودان، والكردية (لا سيما في المشرق العربي وتحديدا العراق) ما لم تنجح في انتزاعه الاقلية القبطية في مصر مثلاً، او المسيحية في العراق وسوريا؟

لا يختصر سبب واحد الاجابة عن هذه الاسئلة. فشخصية القومية المصرية مثلاً كانت مانعاً أمام تكون شخصية قبطية سياسية حادة. في حين ان صفة الاقلية لا تنطبق الا تجاوزا على الكرد، وفي سياق تناولهم “القطري” ضمن دول عديدة بدل تناولهم كقومية قائمة بحد ذاتها، هي ربما اليوم القومية الاكثر نهوضا وحراكاً وشهية للتعبير عن نفسها بالمعنيين السياسي والكياني.

مع ذلك يبقى ثمة عامل مقرر لا يجوز تغييبه في تناول اكتساب الاقليات أهميتها او هامشيتها، وهو مدى هيمنة أقلية دون أخرى على بقعة جغرافية متكاملة. ولئن كانت الاقليتان الدرزية والمارونية مدركتين بحدة لهذا العامل، كانت حروبهما البينية الاكثر ترجمة الى معطيات جغرافية من خلال سياسات التهجير والتهجير المضاد. وهما، في لبنان، على الاقل، الأكثر حدة في التعبير عن الضيق والخوف من مسألة شراء العقارات في “مناطقهم” من مذاهب وطوائف أخرى.

فهما ما اكتسبتا ادوارهما الاقلوية الا بمدى حرص كل منهما على حماية الكيانية الجغرافية للطائفة.

بل إن الاقليات، في سياق بناء تحالفاتها، لم تبنِها الا على هذه القاعدة اولاً. فعندما اهتمت اسرائيل، بتطوير علاقاتها مع الاقليات أهملت الاقليات البلا-جغرافية، في مقابل اهتمامها بتلك الحائزة على هذا الشرط. وهو ما كان العامل المقرر في مد الجسور مع موارنة ودروز لبنان (وشيعة لبنان في مراحل مبكرة) وصولا الى مسيحيي جنوب السودان وأكراد اقليم كردستان العراقي.
نجح وليد جنبلاط، بتفاوت، في الاحتفاظ بزعامته على الدروز، في لبنان وسوريا والاردن واسرائيل (أو فلسطين لذوي القلوب القومية الضعيفة!)، وظل على الدوام مدركاً لدوره كزعيم اقلية، تتجاوز زعامته ومسؤوليته حدود لبنان. ساعده، الى أحادية الزعامة السياسية والصفاء المذهبي، الانتظام الجغرافي للدروز في كيان متناسق نسبياً، وفي وجودهم ضمن دولهم في كيانات جغرافية معرفة بدقة.

الاقلية الدرزية اقلية صاحبة جغرافيا وأمامها فرصة لاستعادة الدور. ولو قيض لمناورة وليد جنبلاط ان تنجح سيكون الدروز هم من سيكتب عنهم التاريخ أنهم اسقطوا نظام آل الاسد.

في المقابل لم ينجح المسيحيون اللبنانيون في تشكيل رافعة سياسية للمسيحيين في المنطقة. فالزعامة المارونية اللبنانية، غارقة في كيانيتها اللبنانية، ومشتتة على صعيد جغرافيتها وتعدد قيادتها السياسية. وهي عاجزة، مذهبياً، عن قيادة الاغلبية الارثوذوكسية للمسيحيين خارج لبنان. لهذا بقيت الاقلية المسيحية في المنطقة، على عكس الدروز، بلا غطاء يحمي دورها، ويجيش للدفاع عنها في المحن والملمات. فاقم من ذلك تضاؤل الدور الماروني لبنانياً، الذي كان يمكن له في ظل معارك الوجود أن يجسر الهوة المذهبية مع الارثوذوكس ويعطي صوتاً للمسيحية المشرقية والمخاطر المحدقة بها.

للمسيحيين أن يغاروا من الدروز. ولهم ان يتعلموا أيضاً. أن يتعلموا اعادة انتاج الادوار الحقيقة، الأبعد من الكيدية الريفية التي تهمين على عقل المارونية السياسة في لبنان اليوم. والا فليتنعموا بشرفة دونكيشوت الرابية فيما تنهار آخر ورقة بيد المسيحيين من سواحل الهند إلى شواطئ المغرب! 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها