الثلاثاء 2015/05/19

آخر تحديث: 14:01 (بيروت)

"المحكمة العسكرية" و"المجلس العدلي"..الإستثناء الدائم

الثلاثاء 2015/05/19
"المحكمة العسكرية" و"المجلس العدلي"..الإستثناء الدائم
المحاكم الإستثنائية: صروح عدل افتراضي وباب لإنتهاك حقوق الإنسان (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
إنطلاقاً من التسمية، يتوقع أن يرتبط وجود محاكم إستثنائية، بوجود ظروف إستثائية أو حالات طوارئ تستدعي إنشائها. فالمنطق، وحسن سير العدالة يستدعي الإمتناع عن تحويل الإستثناء الى دائم. مثال أن تكرس المحكمة العسكرية في لبنان، وهي استثنائية، كمحكمة دائمة. وتسمى بناء عليه "المحكمة العسكرية الدائمة"، أي المحكمة الإستثنائية الدائمة، ما يعد تناقضاً بذاته. وقد شكلت هذه المحكمة في لبنان محور جدل مستمر، عاد ليتجدد بزخم إثر الحكم القضائي الصادر بحق الوزير السابق ميشال سماحة.

عادةً ما تعلن الحالات الإستثنائية أو الطوارئ في ظل ظرف ما يهدد السلم والأمن العام للدولة أو خلال حالات الكوارث. والهدف من إعلان هذه الحالة، بشكل أساسي، هو تسهيل عمل السلطات بما يتلاءم وحماية الدولة والمواطنين. بالتالي، تنتهي الإجراءات الإستثنائية بما فيها إنشاء محاكم استثنائية، ومنها المحكمة العسكرية أو الهيئات القضائية الناظرة بقضايا الإرهاب كالمجلس العدلي في لبنان، بمجرد انتهاء الحالة الإستثنائية. فيعتبر اي اجراء استثنائي خارج اطار الحالة الإستثنائية تعدياً على حقوق الأفراد وحرياتهم. أما أن تشكل المحاكم الإستثنائية جزء من النظام القضائي، ففي ذلك تكريس للإنتهاكات الحقوقية.

والواقع أن الحفاظ على الأمن العام، تحول في العديد من الدول، الى أداة قمع، تستخدمها الدولة في وجه المقيمين على أراضيها. كما تستخدم هذه الذريعة لمكافحة أي محاولة لإلغاء بعض القوانين القمعية أو المحاكم الإستثنائية. وبناء عليه يتحول "الإرهاب" في لبنان مثلاً الى ذريعةٍ لرفض اي مطالبة لإلغاء المحاكم الإستثنائية أو دمجها بالقضاء العادي، كالمحكمة العسكرية، والمجلس العدلي.

ويخضع القضاء العسكري الى القواعد المنصوص عليها في قانون القضاء العسكري (القانون رقم 24/68). ويتألف هذا القضاء من قضاة منفردين في المحافظات، المحكمة العسكرية الدائمة ومحكمة التمييز العسكرية بالإضافة الى مفوض حكومة وقاضي تحقيق. بالمقابل يتألف المجلس العدلي الخاضع لقانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني من الرئيس الأول لمحكمة التمييز رئيساً وأربعة قضاة من محكمة التمييز، أعضاءً. يعين الأخيرين في مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء.

قد يتقاطع إختصاص المحكمة العسكرية والمجلس العدلي عند الجرائم المرتبطة بأمن الدولة، والإرهاب وجرائم السلاح والتسلح. بالمقابل، تنفرد المحكمة العسكرية بالنظر في القضايا العسكرية البحتة، كالتخلف والفرار من الخدمة العسكرية، والجرائم الواقعة على شخص عسكري.

يكمن الخطر في وجود هذه المحاكم والهيئات القضائية، بشكل أساسي، في اتساع صلاحياتها ليشمل المدنيين. فخضوع المدنيين للقضاء العسكري، يؤدي الى حرمانهم من مجموعة من الضمانات التي يكفلها لهم القضاء العادي. وأهم هذه الضمانات، هي التقاضي على ثلاث درجات، حيث أن الطعن بالأحكام الصادرة عن المحكمة الدائمة العسكرية أمام التمييز يخضع لشروط شبه تعجيزية بالنسبة للمدنيين.

من أهم المآخذ على القضاء العسكري أيضاً، عدم جواز الإستماع الى الشاكي المتضرر الا على سبيل المعلومات. بمعنى آخر، فإن المحكمة العسكرية تتعامل مع المتضرر من سلوك احد العسكريين كما تفعل مع الشاهد. وهي تنطلق في هذا التوجه من كونها تنظر في قضايا الحق العام من دون الحق الشخصي. أي أنها تنظر في الشق الجزائي والعقوبات من دون التطرق الى حق الشاكي الشخصي بالتعويض، فيبقى لهذه الناحية خاضعاً للقضاء العادي.

يخضع تحريك الدعاوى امام المحكمة العسكرية الى قرار صادر عن قاضي التحقيق العسكري. ذلك لأنه لا وجود لهيئة اتهامية تابعة لهذه المحكمة، يناط بها هذا الدور. تعتبر هذه النقطة من المآخذ الأساسية على المحكمة العسكرية، خاصةً أن اختصاصها يشمل مدنيين، ما يستدعي بالتالي تقديم ضمانات اضافية عند خضوعهم لهذا القضاء.

أما المجلس العدلي، فيختص أيضاً بقضايا الإرهاب والمساس بأمن الدولة. والأحكام الصادرة عنه  غير قابلة للطعن. ذلك أنه لا يلتزم بمبدأ التقاضي على ثلاث درجات. والأمر الأخير يعتبر مساساً بالعدالة وبحقوق الإنسان بالأخص حقه بالمحاكمة العادلة. والأهم بالنسبة للمجلس العدلي، هي آلية إحالة القضايا أمامه، التي تتيح المجال أمام محاكمات سياسية. فالقرار لهذه الناحية يعود الى مجلس الوزراء الذي يصدر مرسوماً لإحالة القضية الى المجلس العدلي. ويمكن القول هنا، أن هذه الآلية تعتبر شكلا من أشكال اخضاع العدالة للقرار السياسي، لا سيما أن التعريف المقدم لجريمة الإرهاب في القانون اللبناني هو تعريف فضفاض.

الإنتقادات الموجهة الى هذا الشكل من القضاء كثيرة، ما ذكر ليس الا بعض منها. بالرغم من ذلك، فإن ما تقدم يعد كافياً للعمل بإتجاه إلغاء المحاكم الإستثنائية أو تحسين وضعها بما يتناسب بشكل كلي مع تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان. والواقع أن الوصول الى العدالة، يستدعي بالإضافة الى ما تقدم، العمل على تعديل الكثير من النصوص القانونية، أولها تعريف جريمة الإرهاب، الأمر الذي يحد من اللجوء الى استخدام هذه التهمة مثلاً، لمحاكمة الأشخاص سياسياً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها