الخميس 2018/03/01

آخر تحديث: 09:05 (بيروت)

خطف الملعب البلدي: مجمعات تجارية و55 مليون دولار؟

الخميس 2018/03/01
خطف الملعب البلدي: مجمعات تجارية و55 مليون دولار؟
الملعب البلدي في بيروت مساحة من تاريخ لبنان (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease
يقف كابتن نادي الأنصار السابق ناصر بختي على شرفة "ملتقى شباب الأنصار"، المطلة على الملعب البلدي في طريق الجديدة، متأملاً المساحة المفتوحة أمامه بعينين يملؤهما الحنين إلى "أيام العز" على رمال هذا الملعب. "بتلاقي متل هالفسحة ببيروت؟"، يسأل بختي مستنكراً أي مساس بالملعب أو تغيير في شكله. فوجود نادي الأنصار نفسه مقترن بهذا الملعب، الذي شهد على 12 بطولة فاز بها النادي ومغامرات لاعبيه من أبناء المنطقة وغيرها.


الملعب البلدي أكبر سناً من منطقة طريق الجديدة، وهو من أعطى "حي الملعب البلدي" اسمه. ووفق بحث أجراه "استديو أشغال عامة" تحت عنوان "أن نرسم طريق الجديدة من روايات مستأجريها" أنشأ الجيش الفرنسي الملعب في العام 1936 "لإقامة الاحتفالات والمباريات الرياضية". مع الاستقلال، تسلم الجيش اللبناني بقيادة فؤاد شهاب العلم اللبناني والملعب من قوات الانتداب. ما أضفى على المكان قيمة وطنية. وخلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، تعرض الملعب للتدمير، "لكنه جمع على أرضه رجال دين مسلمين ومسيحيين صلوا معاً ضد الاجتياح فبات رمزاً للتوحد أيضاً"، وفق رئيس جمعية نحن، محمد أيوب. وفي العام 1997، وسع الملعب وحُدّث برعاية رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري من أجل استضافة الدورة العربية بكلفة 20 مليون دولار.

تملك بلدية بيروت هذا العقار، الذي يمتد على مساحة 15 ألف متر تقريباً، منها 6 آلاف متر لملعب كرة القدم. "خلال الحرب كان المعلب رملياً، فكنا نلعب فيه تحت القذائف. اعتاد كثر على ممارسة رياضة المشي والركض فيه، وأنشأنا فيه استراحة للنادي. وكان مفتوحاً أمام الناس باستمرار"، يقول بختي في حديث إلى "المدن"، بعد انتهاء المؤتمر الصحافي الذي عقده، الأربعاء في 28 شباط 2018، مع زملائه من قدامى لاعبي الأنصار عدنان بليق وعمر إدلبي وجهاد محجوب.

اليوم، "الملعب غير متاح. إذ يسيطر عليه الجيش بشكل كامل"، وفق "أشغال عامة". وهو أمر ظاهر للعيان. إذ تعترض الأسلاك الشائكة الرصيف المحاذي للملعب، وتجعله مربعاً أمنياً. إذ إن المشاكل ذات الأبعاد السياسية والطائفية التي شهدها الملعب بشكل متكرر خلال مباريات كرة القدم أدت إلى وصم هذه المساحة كساحة نزاع مهمشة فارغة من جدواها، بعدما منعت اقامة المباريات في الملعب خلال السنوات الماضية، وأغلق أمام الناس. ويبدو هذا التهميش "متعمداً"، إذ أرادت جهة ما، قصداً أو من دون قصد، حذفه من الذاكرة الجماعية للسكان بهدف "حفظ الأمن"، فأصبح "خارج" المنطقة.

وكان مجلس بلدية بيروت السابق، برئاسة بلال حمد، أعلن منذ 3 سنوات نيته استثمار هذه المساحة وإنشاء ملعب بديل في منطقة قصقص لهدفين أساسيين: أولهما حل مشكلة ركن السيارات في المنطقة وما يرافقها من ازدحام للسير، واستغلال المساحة الكبيرة التي تعطل دورها كملعب بلدي لأهداف تنفع المنطقة المكتظة سكنياً. هكذا، قررت البلدية إنشاء موقف سيارات متعدد الطوابق واستغلال المساحة المكشوفة من خلال إنشاء "مساحات خضراء، ملاعب، قاعات ومكتبة عامة مفتوحة أمام الناس"، وفق ما قال حمد في حينها.

لكن المشروع الهادف إلى خدمة الناس لم ينطلق من الناس. إذ إن "أحداً لم يسأل الناس عن رأيهم"، يقول أيوب. وفي حديث إلى "المدن" مع عضو المجلس البلدي عماد بيضون، لم ينكر الأخير أن البلدية لم تجر أي استفتاء بين السكان لمعرفة ما يريدونه من هذه المساحة، مبرراً بـ"إننا نعرف أن المنطقة مكتظة بالسكان، وينقصها متنفس".

وفي حديث إلى "المدن" مع بعض أصحاب المصالح وسكان المنطقة من جيران الملعب اعترض البعض على المشروع. فـ"هذه الأرض لكل المواطنين. أنا ضد تحويله، لكن البلدية تفرض سلطتها عليه"، يقول أحد سكان المنطقة. أما أبو محمد، فيرى أن "المنطقة تعاني من أزمة سير وأزمة مواقف وهي بحاجة إلى موقف، خصوصاً أن من يقصد المنطقة بغاية تجارية أو خدماتية ينفر منها عندما لا يجد لسيارته موقفاً. ما يؤثر سلباً على أصحاب المصالح". لكن، أيوب يرى في تأمين المواقف في المنطقة "تعزيزاً لمبدأ الاعتماد على السيارة. ما من شانه زيادة أزمة ازدحام السير، عوضاً عن حل مشكلة السير جذرياً من خلال تأمين نقل عام مشترك لائق وممرات للدراجات الهوائية وتسهيل المشي".

ويشاع بين البعض من السكان أن البلدية تسعى إلى إنشاء مجمعات تجارية على أطراف العقار. وهذا ما ينفيه بيضون، مؤكداً أن البلدية لن تبني أي مبنى اسمنتي فوق هذا العقار، بل ستبقيها مساحة عامة خصراء. ما يشير إلى بعض التغييرات التي طرأت على الخطة التي أطلقها حمد في عهد رئيس البلدية الحالي جمال عيتاني.

تتعدى تكلفة انشاء ملعب جديد اليوم الـ55 مليون دولار. يرفض نادي الأنصار وجمعية نحن هذا المشروع، ويحاولان توقيفه، مقترحين إعادة فتحه وإحياء المباريات الرياضية فيه، معربين عن نيتهما تولي مسؤولية بعض أعمال الصيانة فيه لتوفير كلفتها على البلدية. فلمَ تتمسك البلدية بهذا المشروع؟ يرى أيوب في المشاريع الكبيرة كهذا المشروع "نافذة للهدر". وهو ما يشجع البلديات على تنفيذها، "في حين تحتاج طريق الجديدة مشاريع صغيرة لا تتعدى كلفتها آلاف الدولارات إلى جانب الضخمة منها".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها