الجمعة 2018/01/19

آخر تحديث: 12:21 (بيروت)

قصر عسيران في صيدا.. تحفة معمارية مهددة

الجمعة 2018/01/19
قصر عسيران في صيدا.. تحفة معمارية مهددة
تنتمي كل طبقة من المبنى إلى حقبة معمارية مختلفة (علي لمع)
increase حجم الخط decrease
تختلس تلميذات ثانوية حكمت الصباغ، المعروفة بـ"ثانوية البنات" في صيدا، النظرات إلى المبنى المهجور المقابل لمدرستهن، في حي الست نفيسة، خلال الحصص أو بينها. فالمدرسة المطلّة على شرفاته ومساحاته الداخلية تسمح لهن رؤية ما لا يستطيع كثير من المارة رؤيته. تتعمشق المبنى فصلياً أعشاب تجعله أخضر اللون، فيبدو كشجرة عتيقة عمرها قرن من الزمن. يلقّبه الصيداويون بقصر عسيران، نسبةً إلى رئيس المجلس النيابي الأسبق ورجل الاستقلال عادل عسيران، الذي سكنه منذ العام 1930. والقصر، وهو أحد البيوت القديمة القليلة المتبقية في صيدا، مهدد بالهدم. 


تاريخ القصر
كان القصر داراً بطبقة واحدة بناه المالك الياس رزق الله نحو العام 1922، ليسكن فيه. تخرج عسيران من الجامعة الأميركية في بيروت في العام 1929، وعاد إلى صيدا عازماً الاستقلال عن عائلته الممتدة التي كانت تتخذ من حي رجال الأربعين مسكناً جامعاً لها. فطلب من رزق الله أن يبني طبقة ثانية فوق داره ليستأجره منه. وقد بنيت في مطلع الثلاثينيات وانتقل عسيران وعائلته إليها.

لم يعتقل الفرنسيون عسيران في حادثة الاعتقال الشهيرة لرجال الاستقلال من هذا المنزل، بل من مصيفه في منطقة عاليه، على ما يروي نجله النائب علي عسيران لـ"المدن". لكن المنزل شهد العديد من الاجتماعات السياسية، وكان مفتوحاً أمام العامة والمارة وزوار المدينة من القرى المجاورة أيضاً. إذ "لم تكن أبوابه تغلق أبداً"، على ما تقول عفاف عسيران، ابنة الرئيس.

في أوائل الخمسينات، أضاف رزق الله طابقاً ثالثاً إلى مبناه ليصبح على الشكل الذي نعرفه فيه اليوم. فاستأجر الرئيس عسيران الطبقة الثالثة وأنشأ فيها مكتبته الكبيرة، وخصص جزءاً كبيراً منه للاجتماعات. لكن، ملكية المبنى انتقلت بعد وفاة رزق الله، الذي لم يُرزق بأولاد، إلى الرهبنة المارونية، التي قسمت الطبقة الأولى منه إلى قسمين. الأول كنيسة صغيرة (كابيلا) كان الرهبان يقيمون فيها قداديس لروح رزق الله، نظراً لقلة الكنائس المارونية حينها. والقسم الثاني أجّرته الكنيسة إلى سيدتين مسيحيتين من عائلة أبيلا الصيداوية. بعد وفاتهما، استأجر عسيران الأب الطابق الأرضي وحوله مضافة لمن يقصده.

نكبة القصر
تركت عائلة عسيران المنزل في العام 1983، بسبب اشتداد ظروف الحرب، ولم تعد الكنيسة قادرة على متابعته. فاتخذت منه الجماعة الإسلامية مركزاً لها حتى مطلع التسعينات. بعد ذلك، أغلق المنزل وهو يشيخ اليوم وحيداً رغم ظهور مبادرات عدة لترميمه، منها فردية كمحاولة عسيران الإبن استئجاره أو شراءه. وهما محاولتان لم تنجحا بسبب "طلب الكنيسة مبالغ طائلة لقاء الإيجار، ومنع روما الوقف الماروني من بيع عقاراته"، وفقه. اليوم، تعود فكرة تغيير واقع المبنى إلى الواجهة مع تغيير واحد: الهدم بدل الترميم.

يعزم رئيس دير مشموشة- جزين الأب بسام حبيب، وهي الجهة المالكة للعقار، تغيير حال العقار "بسبب شكاوى نسمعها من جيرانه من انبعاث روائح وظهور حشرات وجرذان"، وفق ما يقول لـ"المدن". في الوقت نفسه، لا يرى حبيب أن للمنزل أي قيمة، فهو "ليس مصنفاً كمبنى تراثي". وهو يستسيغ فكرة هدمه وتحويله إلى موقف سيارات لبضع سنوات، قبل الاستثمار عليه. وإن كان استخفاف حبيب بالذاكرة الجماعية للمدينة مفهوماً بعض الشيء، فإن موقف رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي يبقى مفاجئاً. فهو الذي أثار موضوع ترميمه وتحويله مكتبة عامة منذ سنتين، انطلاقاً من قيمته الثقافية والتراثية والتاريخية، يرى اليوم أن "لا مانع من هدم المبنى"، مبقياً القرار الأخير للتباحث مع المجلس البلدي، في حال قدمت الرهبنة طلب الهدم إليه.

الحلول المتاحة
الحل الأول هو ترميم القصر، الذي يكلف وفق حبيب "مليون دولار". وهو مبلغ حدّده مهندس لم يذكر حبيب اسمه لـ"المدن". وفي حين لا يملك دير مشمومشة هذا المبلغ، فإنه ما زال منفتحاً على الاقتراحات البديلة. لكن، "حتى اليوم لم يتواصل أحد معنا من أجل ذلك". وقد يكون العمل على تصنيف القصر مبنى تراثياً بالتعاون مع وزارة الثقافة خطوة مهمة وإضافية للحفاظ عليه وترميمه.

أما الحل الثاني للمشكلة فهو "المقايضة". أي استبدال عقار القصر بعقار آخر. وهو حل قد يبادر إليه أي شخص أو جهة مهتمة. في هذه الحالة، تكون بلدية صيدا هي الجهة الأولى المسؤولة عن الحفاظ على القصر، بصفتها الإدارة المحلية للمدينة والمسؤولة عن حفظ تراثها وثقافتها والقادرة على جعله مكاناً عاماً. لكن، السعودي يرمي هذه المسؤولية على وزارة الثقافة، في حين أن تحرك الوزارة يتطلب ضغطاً ومطالبة من قبل نواب المدينة وبلديتها.


المميزات المعمارية
تبلغ مساحة كل طبقة نحو 400 متر مربع، تتوسطه باحة داخلية تتفرع منعها الغرف، تماشياً مع طراز "البيت اللبناني". والقصر المبني من الباطون يبدو بالنسبة إلى المهندسين المعماريين تحفة فنية وغنية. إذ تعود كل طبقة من المبنى إلى حقبة معمارية مختلفة، نظراً إلى الفاصل الزمني بين بناء طبقة وأخرى. لكن، الطبقة الثالثة تختلف بشكل واضح عن الطبقتين الأولين. فتصميمها متأثر بموجة "آرت ديكو" المعروفة بغناها الجيومتري. ما يبدو واضحاً في قناطر شرفاته مثلاً، وفق محمد علي عسيران حفيد الرئيس، الذي أجرى بحث تخرجه من الجامعة اللبنانية الأميركية في مجال العمارة الداخلية عن القصر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها