الأحد 2017/09/03

آخر تحديث: 00:28 (بيروت)

رئيس الجمهورية خارج سياق البلد

الأحد 2017/09/03
رئيس الجمهورية خارج سياق البلد
ما العلاقة بين وزير الاتصالات جمال الجراح والزعيم الكوري الشمالي؟ (المدن)
increase حجم الخط decrease

لا معلومات مؤكدة عن تنسيق حصل بين الرجل المُبتسم زعيم كوريا الشمالية والرجل المتجهِّم وزير الاتصالات في الحكومة اللبنانية. لكن السلوك الكلامي- العملي الجامح والمثير للمخاوف من قِبل كلي المسؤولين هناك وهنا، يشي بنوع غريب غير واضح المعالم من التنسيق (أو أقلّه  التوافق العشوائي).

جمال الجرّاح الوزير اللبناني كشف للملأ أنه هو شخصياً الذي عمل وبالتنسيق مع الرئيس سعد الحريري، ليطلب من قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، فسح المجال لخروج المسلحين ومعهم الجنود الأسرى أو المختطفين إبان غزوة عرسال عام 2014... وبرر فعلته بتجنيب البلد معركة كان من الممكن ان يسقط فيها 500 قتيل (!) كما قال.

لو وضعنا جانباً مسألة توريط الجرّاح لرئيسَيّ حكومة (أحدهما هو الذي جاء بالجرّاح وزيراً، وهو بشخصه أيقونة حالة شعبية – سياسية ــ طائفية أساسية في البلد)، في قضية شائكة بهذا الحجم أودت بأحد عشر عسكرياً على الأقل، لا نملك إلّا التساؤل عمّا كان بوسع أيّ خصم سياسي شرير (أو عدو غاشم) أن يفعله أكثر من "تغطيس" رئيسي حكومة، وأحدهما زعيمه السياسي، في حوض من السّم المعزز بالإتهامات والآلام  والدماء.

الواقع أن مسلك صاحب المعالي المُحيِّر في السياسة لا يقلّ غرابة عن مسلكه المُدوِّخ في وزارة الاتصالات وبطاقات هواتف الجيب، حيث أن أحداً لا يمكنه معرفة السعر الحقيقي لأيّ بطاقة. لكن هذه في خضم ما نخوضه اليوم، إحدى أصغر مشاكلنا.

من الجهة المقابلة لا تبدو مجازفة رجل كوريا الشمالية كيم جونغ أون أقل خطورة وتدميراً. فالزعيم الأصفر صاحب الضحكة المُحيِّرة أعلن من خلف خدّيه الطُفوليَين أن التجربة الصاروخية التي نفّذها عشية 30 آب المنصرم فوق البرّ الياباني، إنما أرادها مقدمة عملانية لاستهداف قاعدة غوام الاستراتيجية الأميركية... فقط لا غير (!). وهذا يمنح من يشاء الحق في اتهام "العزيز كيم" بالجنون، حتى إن هكذا اتهام فَقَدَ ذهوله بعدما صار مُكرراً بكل لُغات الدنيا.

يُخيّل أنً أموراً خُرافية نشهد حصولها يومياً بين بيونغ يانغ وبيروت، ونمضي قِدماً في ابتلاع دهشتنا بلا تعليق.

هناك يعبث كيم بأزرار حرب كونية... بينما حقيبة إطلاق صواريخ نهاية العالم في يد دونالد ترامب الغني عن كل تعريف.

وهنا... يطلق الوزير الجرّاح كلمات قليلة تكفي لفتح بوّابات الجحيم على أحبّائه وعلى البلد، ويدفع إلى مقصلة الرأي العام بشخصيات سياسية وعسكرية لبنانية كبرى من شأن وقوفها أما أيّ لجنة تحقيق أن... تُخرِج إنسان أنطلياس (ونياندرتال) من ساحة البرج!

جنود ألقت بهم المقادير في شدق الغول... لم تلتفت لمصيرهم قيادتهم ولا دولتهم في ساعات الشدّة، ثم جاءت اليوم تمتدح استشهادهم وتندفع بحماسة غير مُقنِعة لتلاوة فعل الندامة أمام بقاياهم المتحللة في تربة الوطن... شأن أجساد الشهداء، وتواصل طمر آثار تقصيرها الفظيع الذي أدّى إلى هذه الكارثة الوطنية.

أهل الشهداء غاضبون. أهل البلد غاضبون. المسؤولون غاضبون. فما العمل؟

الشهداء كانوا عسكريين. يعني أن المسؤولية تقع على قيادتهم.

القيادة تخضع للسلطة السياسية. يعني أن المسؤولية تقع على هذه السلطة السياسية، أي الحكومة ورئيسها في ظل شغور منصب رئاسة الجمهورية.

رئيس السلطة التشريعية يقول إن رئيس الحكومة في حينه لم يكن مسؤولاً. يوافق رئيس الحكومة الحالية ويطلق عبارته المسرحية (لحدّ هون وبس!).

الحقّ على الإرهابيين... هذا من دون أدنى شك. لكن الإرهابيين القَتَلَة خرجوا بأمان في حافلات مُكيّفَة مقابل كشفهم (المزعوم) أمكنة دفن جثامين العسكريين. والذين تفاوضوا معهم إنما  خاضوا المفاوضات بمعرفة وموافقة الدولة ممثلة بشخص لواء الأمن العام.

هذا كلّه لم يعد موضع نقاش. ولا قيمة لما حاول أن يُضيفه (كيداً) الرئيس المُوَلّي للجمهورية ميشال سليمان والوزير السابق بطرس حرب. والجريمة، لولا كلمة رئيس الجمهورية، سُجِّلت ضد مجهول... كالعادة.

لكن الرئيس عون قال ما لن يكون بوسع أحد تجاوزه والقفز فوقه: "أطلب من السلطات المختصة اجراء التحقيق لتحديد المسؤوليات في ما طال قوانا المسلحة، احتراما للحقيقة وللشهداء وأهلهم ولئلا يتهم بريء أو يبرأ مذنب".

هكذا، فإنّ ما قاله وزير الاتصالات لم يعد غلطة. صار دليلاً.

لكن، أليست عبارة رئيس الجمهورية وحدها التي تبدو خارج سياق البلد؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب